للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فَلَا تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا قَامَ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَقَالُوا لِلْمُهَاجِرِينَ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ عُمَرُ لَسَيْفَانِ فِي غِمْدٍ لَا يَصْطَلِحَانِ أَبَدًا وَرَجَعَ النَّاسُ إلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ.

وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّ إمَامَةَ الْخِلَافَةِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْأَحْكَامِ، وَهِيَ أَصْلُ التَّقْدِيمِ فِيهِمَا فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ يُصَلِّيَانِ بِالنَّاسِ صَلَاةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ لِلنَّاسِ حَاكِمَانِ يَحْكُمَانِ جَمِيعًا فِي كُلِّ حُكْمٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا قَدَّمَ لِلْأَحْكَامِ مَنْ يَرْضَى دِينَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعِلْمَهُ وَمَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَهَذَا يُنَافِي مُقَارَنَةَ آخَرَ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ إلَّا بِمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الضَّلَالُ؛ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ وَتَقْصِيرِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] وَلَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ سِوَاهُ كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ كَامِلِ الْعَدَالَةِ.

فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى الشَّهَادَاتِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوَلَّ أَحَدٌ هَذَا فَيُعَوَّلُ فِيهِ عَلَيْهِ فَالْمَرْأَتَانِ لِنُقْصَانِ دِينِهِمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَامُ رَجُلَانِ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَقَامَ رَجُلٍ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَامَ حَاكِمَانِ مَقَامَ حَاكِمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَتَوْلِيَتِهِنَّ الْحُكُومَةَ فَتَقُومُ امْرَأَتَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى هَذَا مَا جَرَى بِبَلَدِنَا بِجِهَةِ الرَّقَّةِ فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا لِلْقَضَاءِ ابْنَ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ لَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ أَنْكَرْتُ هَذَا حِينَ وُقُوعِهِ.

[مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ وَفِيهَا بَابَانِ]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ]

وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ وَالثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ) فَأَمَّا صِفَةُ مَنْ يَحْكُمُ فَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا رَشِيدًا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ لَوْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَكَذَلِكَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَسْخُوطُ وَالنَّصْرَانِيُّ قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُوَسْوِسُ، وَإِنْ أَصَابُوا الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمْ.

وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً فَحُكْمُهَا مَاضٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ الْمَسْخُوطُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ بَصِيرَيْنِ عَارِفَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فَإِنَّ تَحْكِيمَهُمَا وَحُكْمَهُمَا جَائِزٌ إلَّا فِي خَطَأٍ بَيِّنٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَأَشْهَبُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهِ آخُذُ.

وَقَدْ وَلَّى عُمَرُ الشِّفَاءَ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمَانَ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ سُوقَ الْمَدِينَةِ، وَلَا بُدَّ لِوَالِي السُّوقِ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَوْ فِي صِغَارِ الْأُمُورِ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا فَحَكَمَ فَأَصَابَ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْمَحْدُودُ وَالصَّبِيُّ إذَا كَانَ قَدْ عَقَلَ وَعَرَفَ وَعَلِمَ فَرُبَّ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ لَمْ يُرَاعِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فِي حُكْمٍ خَاصٍّ لَمْ يُجِزْ فِيهِ إلَّا مَنْ قَدَّمْنَا وَصْفَهُ قَبْلَ هَذَا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْحُكْمِ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا] ١

(الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا) ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يُحَكِّمَانِهِ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا، وَلَا يُلَاعِنَ قَالَهُ سَحْنُونٌ.

وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا فِي قِصَاصٍ، وَلَا حَدِّ قَذْفٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا نَسَبٍ، وَلَا وَلَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ لَا يَقْطَعُهَا إلَّا الْإِمَامُ قَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ حَكَّمَاهُ فَحَكَمَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَيَنْهَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>