للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى إلَى الْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ، وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَلَا يَصْلُحُ، وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إمَّا أَنْ تَقْضِيَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا، وَإِلَّا زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَزَادُوهُمْ فِي الْأَجَلِ) .

(جَامِعُ الدَّيْنِ وَالْحُلُولِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» )

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ سِلْعَةً تُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ الْأَوَّلَ، وَإِنَّمَا قَضَاهُ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ، وَزَادَ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي دَيْنِهِ لِتَأْخِيرِهِ بِهِ عَنْ أَجَلِهِ فَهَذَا يُشْبِهُ مَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي زِيَادَتِهِمْ فِي الدُّيُونِ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِهَا لِيُؤَخِّرُوا بِهَا، وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَ مِنْهُ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَخَمْسِينَ مُؤَجَّلَةٍ لِيُؤَخِّرَهُ بِالْمِائَةِ الَّتِي حَلَّتْ لَهُ عَلَيْهِ، وَوُجُوهُ الْفَسَادِ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْعُ فَفِي الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا إيَّاهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَإِنْ فَاتَتْ رَدَدْتهَا إلَى قِيمَتِهَا نَقْدًا، وَفَسَخْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ قَدْ دَخَلَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ فَوَجَبَ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ رُدَّ إلَى الْقِيمَةِ، وَكَانَا عَلَى أَجَلِهِمَا فِي الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَسَخْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يُرِيدُ الَّذِي انْعَقَدَ فِي السِّلْعَةِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[جَامِعُ الدَّيْنِ وَالْحُلُولِ]

(ش) : قَوْلُهُ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ الْمَطْلُ» هُوَ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَلَا يَكُونُ مَنْعُ مَا لَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ مِنْ الدُّيُونِ مَطْلًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَطْلًا بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَتَأْخِيرِ مَا بِيعَ عَلَى النَّقْدِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ الْقَضَاءِ قَدْ جَاءَ التَّشْدِيدُ فِيهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ، وَوَصَفَهُ بِالظُّلْمِ إذَا كَانَ غَنِيًّا خَاصَّةً، وَلَمْ يَصِفْهُ بِذَلِكَ مَعَ الْعُسْرِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] ، وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَمَطَلَ بِمَا قَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَقَدْ ظَلَمَ.

وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ، وَتُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ ظَالِمًا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ، فَعِرْضُهُ التَّظَلُّمُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَطَلَنِي وَظَلَمَنِي» ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُقُوبَتُهُ سِجْنُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «إذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَوَالَةُ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الْأَصْلَ بِالْحَوَالَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ، وَالْحَوَالَةُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَجَلٍ آخَرَ مِثْلِهِ فَيُحِيلُ بِهِ غَرِيمُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ مِثْلُهُ.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ فَلْيَتْبَعْ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ إنَّ الْحَوَالَةَ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا اُسْتُثْنِيَتْ الْعَرِيَّةُ، وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ فِي الْحَوَالَةِ عِنْدِي أَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إذَا قُلْنَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحِيلَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ، وَمَعْنَى الْحَوَالَةِ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَحِيلَ عَلَى غَرِيمِ غَرِيمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ غَرِيمَهُ، وَيَقُولُ لَهُ اقْضِنِي حَقِّي وَشَأْنَك بِصَاحِبِك، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>