للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَى أَخَذَ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ فَيَضَعَ عَنْهُ الطَّالِبُ، وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبَ قَالَ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحَلِّهِ عَنْ غَرِيمِهِ، وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِي حَقِّهِ قَالَ فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ هَذَا بَيْعٌ لَا يَصْلُحُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا

ــ

[المنتقى]

وَيَنْقُدُوهُ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَنْقُدُوهُ جِنْسَ مَا لَهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ مُؤَجَّلَةً فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ خَمْسِينَ دِينَارًا، وَيَحُطُّ عَنْهُمْ خَمْسِينَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهُ، وَلَا تُؤْكِلُهُ يُرِيدُ تُطْعِمُهُ غَيْرَك، وَمَعْنَى ذَلِكَ تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَيُؤْكِلَهُ مَعَ كَوْنِهِ مُبَاحًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَأَجَازَهُ النَّخَعِيُّ وَزُفَرُ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي ذَلِكَ، وَأَصَحُّهَا الْمَنْعُ، وَدَلِيلُنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْا مِنْهُ الْمِائَةَ الْمُؤَجَّلَةَ بِخَمْسِينَ مُعَجَّلَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِوَجْهَيْنِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَيْنِ، وَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ لِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَفُوهُ خَمْسِينَ يَقْبِضُهَا مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ خَمْسِينَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الْأَجَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّنَانِيرِ أَوْ مِمَّا يَجُوزُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَالدَّرَاهِمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْأَجَلِ بِدَنَانِيرَ دَرَاهِمَ مِثْلَ قِيمَتِهَا وَلَا أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَرِقٌ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِدَنَانِيرَ قَبْلَ الْأَجَلِ عُرُوضًا مُعَجَّلَةً تَكُونُ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ دَنَانِيرِهِ أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَآلَ أَمْرِهِ إلَى شِرَاءِ عَرْضٍ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةً، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ.

(ش) : قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَنْ يَقُولَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ عِنْدَ أَجَلِهِ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي يُرِيدُ يَزِيدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الدَّيْنِ لِيَزِيدَهُ فِي الْأَجَلِ فَعَلَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ قِيلَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩] {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] نَزَلَتْ فِي هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ سَلَفٌ لِنَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي دَيْنِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي عِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي يَضَعُ مِنْ دَيْنِهِ، وَيَتَعَجَّلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُهُ بَعْدَ مَحَلِّ أَجَلِهِ وَيَزِيدُهُ يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا الْعِوَضُ لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَضَعَ قَبْلَ أَجَلِهِ سَلَفٌ عَلَى أَنْ وَضَعَ، وَاَلَّذِي أَخَّرَ لِلزِّيَادَةِ أَسْلَفَ عَلَى أَنْ زَادَ فَهُوَ تَأْخِيرٌ لِعِوَضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ مُعَجِّلًا مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ دَيْنِهِ، وَاَلَّذِي يُؤَخِّرُ بَعْدَ الْأَجَلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَعَجَّلُ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ تَبْرَأُ الذِّمَّتَانِ، وَيَتَنَجَّزُ مَا بَيْنَهُمَا، وَاَلَّذِي يُؤَخِّرُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَيَنْقُلُ دَيْنَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ تَبْقَى ذِمَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَشْغُولَةً، وَيَنْتَقِلُ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>