للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِذَا شَخَصَ فِيهِ الْعَامِلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضُ مُؤْنَتِهِ وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْلَمُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا، مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ وَنَقْلُ الْمَتَاعِ وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ مَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ

ــ

[المنتقى]

الْقِرَاضِ الَّذِي عَقَدَاهُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَيُضَمِّنَهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ رَبِحَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ ضَمِنَهُ الْعَامِلُ لِلتَّعَدِّي، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى وَجْهِ التَّنْمِيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ إلَى مَا يَنْفَرِدُ بِمَنْفَعَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وَجْهَ نَظَرٍ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ يَكُونُ الدَّافِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي دَفَعَهُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ لَهُ تَعَدِّيَهُ وَيُضَمِّنَهُ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي اشْتَرَى السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ إنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ مَالٌ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَتَعَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَسْلَفَهُ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً يَنْفَرِدُ بِهَا فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي السِّلْعَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِ الْقِرَاضِ فَيَكُونُ رِبْحُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى حُكْمِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ الْقِرَاضَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ لَفْظَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِي السِّلْعَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا رِبْحٌ وَبِذَلِكَ يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهَا شِرْكٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يُلْزِمُهُ إيَّاهَا وَيُضَمِّنُهُ ثَمَنَهَا، وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ فِيهَا وَيَكُونُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مَعَ مَالِ الْقِرَاضِ، وَيَكُونُ بِأَنْ يَنْزِعَ مِنْهُ مَالَ الْقِرَاضِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ جَمِيعَ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَغْرَمَهُ الثَّمَنَ صَارَ عَيْنًا فَكَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مُعْظَمُ مَالِ الْقِرَاضِ عُرُوضًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَتِمَّ عَمَلُهُ فِيهِ.

[مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ فِي الْحَضَرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانِ الْعَامِلِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِيهِ وَلَا كِسْوَةَ وَلَا مُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُ بِهِ لِلْعَمَلِ بِالْمَالِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْمُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ شَغَلَهُ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ فَأَوْجَبَ مُقَامَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَهْلٌ بِبَلَدٍ آخَرَ مُسْتَوْطِنًا لِلْجِهَتَيْنِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مَا أَقَامَ بِالْمَالِ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، وَرَوَى ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ فِي الَّذِي لَهُ أَهْلٌ بِبَلَدِ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَهْلٌ حَيْثُ يُسَافِرُ إلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مُقَامِهِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِ لَهُ فَكَانَتْ لَهُ فِيهَا النَّفَقَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَتْ تِجَارَتُهُ فِي السَّفَرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرَبِ كَالْحَجِّ، وَالْغَزْوِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْفَارِ الْقُرَبِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرَبِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>