للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْمُهِلُّ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ قَالَ وَبَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ) .

مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ «سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أَخِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ» ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيمُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّنْعِيمِ إلَى الْحَرَمِ كَبِيرُ مَسَافَةٍ فَلَوْ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِدُخُولِ الْحَرَمِ لَمَا لَبَّى إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ الَّتِي هِيَ شِعَارُ الْمُعْتَمِرِ وَاسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِدَامَةُ التَّلْبِيَةِ إلَى نِهَايَةِ الْمَقْصُودِ لِتَطُولَ مُدَّتُهَا وَلَا يُعَرَّى مُعْظَمُ النُّسُكِ مِنْهَا وَأَمَّا الَّذِي يُهِلُّ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَقَدْ اسْتَدَامَ التَّلْبِيَةَ أَيَّامًا وَكَثُرَ شِعَارُهُ لَهَا وَاقْتَرَنَ أَكْثَرُ نُسُكِهِ بِهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ قَطْعُهَا عِنْدَ دُخُولِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مَقْصُودُهُ، وَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ النُّسُكِ أَنْ يُعَرَّى بَعْضُهُ مِنْ التَّلْبِيَةِ كَالْحَجِّ.

وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُولِ مُدَّةِ التَّلْبِيَةِ وَقِصَرِهَا وَإِنَّهُ يُرَاعَى أَنْ يَقْرِنَ التَّلْبِيَةَ بِمُعْظَمِ مُدَّةِ الْعِبَادَةِ وَيُعَرَّى مِنْهَا بَعْضُهَا وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعُمْرَةِ الْحَرَمُ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَرَمِ الْبَيْتُ فَهَذِهِ مَقَاصِدُ صَحِيحَةٌ وَوُجُوهُ اسْتِحْبَابٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ لِذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُ كَثِيرًا مِنْ إرْسَالِهِ الْخَبَرَ مَعَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ أَوْثَقِ النَّاسِ وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ التَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

[مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ]

(ش) : قَوْلُ الضَّحَّاكِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ لِلْمُتْعَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.

وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّك تُخَالِفُ أَبَاك فَقَالَ إنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ الَّذِي تَقُولُونَ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَفْرِدُوا الْحَجَّ مِنْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ أَتَمُّ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي شُهُورِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ وَأَرَادَ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ» وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ رَأَى الْإِفْرَادَ أَفْضَلَ مِنْهَا وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ النَّهْيَ عَنْهَا وَأَنَّهُ قَالَ أَنَا أَفْعَلُهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَلِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَانَ عُمَرُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَيَأْمُرُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ اعْتِقَادَ تَفْضِيلِ الْمُتْعَةِ خَطَأٌ فَكَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ لَا عَلَى إبَاحَةِ الْمُتْعَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلصَّبِيِّ مَعْبَدٍ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ سَعْدٍ بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أَخِي لَمَّا سَمِعَ إنْكَارَ الضَّحَّاكِ لِلْمُتْعَةِ، وَحَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الْمَنْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>