للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا أَتْلَفَ الْمُبْتَاعُ اللَّبَنَ وَبَقِيَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ مَا أَتْلَفَ وَيَرُدَّ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ دَلَّسَ بِعَيْبٍ وَالْمُبْتَاعُ قَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ بِغَيْرِ تَدْلِيسٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاضٍ بِمَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا تَعَارَضَ الْحَقَّانِ كَانَ أَوْلَاهُمَا بِالتَّقْلِيبِ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَدْلِيسٌ وَلَا تَعَمُّدٌ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ الْمَعَانِي الَّتِي تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ وَتَمَيُّزِهَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ وَالثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الِارْتِجَاعِ وَالرَّدِّ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْمَعَانِي الَّتِي تُثْبِتُ الْخِيَارَ إلَخْ] ١

ْ أَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي تُثْبِتُ الْخِيَارَ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ نُقْصَانٌ وَزِيَادَةٌ، فَأَمَّا النَّقْصُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ وَنَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الْبَدَنِ، فَأَمَّا النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ وَالثَّانِي لِتَغَيُّرِ حَالِ الْمَبِيعِ، فَأَمَّا النَّقْصُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُوجِبُ رَدَّ شَيْءٍ مَعَهُ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ، فَأَمَّا مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ مِثْلُ أَنْ يَحْدُثَ فِيهِ إبَاقٌ أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ زِنًى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِهِ، وَلَكِنَّهُ يُزَهِّدُ فِيهِ وَيُنْقِصُ الْكَثِيرَ مِنْ ثَمَنِهِ فَهَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ دُونَ غُرْمِ شَيْءٍ لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ إمَّا حَبَسَهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِمَّا رَدَّهَا بِوَلَدِهَا، وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرُدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَ التَّزْوِيجُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ يَخْتَصُّ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيهِ غُرْمٌ كَبَعْضِ الْقِيمَةِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ كَثِيرَ الثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ وَعِنْدَ الْمُبْتَاعِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ وَمَا نَقَصَهُ أَوْ التَّمَسُّكِ بِهِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَنَقْصِ الْبَدَنِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الْبَدَنِ فَمَا كَانَ يَسِيرًا كَذَهَابِ الظُّفْرِ وَالْأُنْمُلَةِ فِي وَخْشِ الرَّقِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ أَوْ الْإِمْسَاكِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ مُتَّهَمٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِمَا كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي لَا يَسْلَمُ مِنْ مِثْلِهَا وَمَا كَانَ مُعْتَادًا مُتَكَرِّرًا فَلَا عِوَضَ لَهُ فِيمَا حَدَثَ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَكَذَلِكَ الْكَيُّ وَالرَّمَدُ وَالصُّدَاعُ وَالْحُمَّى؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُعْتَادَةٌ يُسْرِعُ الْبُرْءُ مِنْهَا هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ فِي الْوَعْكِ وَالْحُمَّى فَقَالَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَرَادَ الْحُمَّى الْخَفِيفَةَ الَّتِي يُرْجَى سُرْعَةُ بُرْئِهَا دُونَ مَا أَضْعَفَ مِنْهَا وَمَنَعَ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ قَدْرُهُ وَيَنْدُرُ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَبِيعِ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَمَرِضَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى إبَاقٍ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَصِحَّ أَوْ يَمُوتَ، فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَرُدُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضًا مَخُوفَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَمْرَاضُ ثَلَاثَةٌ خَفِيفٌ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِهِ وَمُتَوَسِّطٌ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِهِ وَمَرَضٌ مَخُوفٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَصَابَتْهُ مُوضِحَةٌ أَوْ جَائِفَةٌ أَوْ مُنَقِّلَةٌ فَبَرِئَتْ فَلَيْسَ بِفَوْتٍ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ إلَى هَيْئَتِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ عَقْلًا لَمْ يَرُدَّهُ الْمُبْتَاعُ مَعَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَلَا يَرُدُّ عَقْلَ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُفِيتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>