للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْرِيمُ الْخَمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ) .

ــ

[المنتقى]

لَا بَأْسَ بِالْمَرِيءِ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْ الْعَصِيرِ وَلَا بَأْسَ بِمَا طُبِخَ مِنْ الْعَصِيرِ أَوْ رُبِّبَ بِهِ مِنْ سَفَرْجَلٍ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ يَوْمُ عَمِلَ بِهِ ذَلِكَ حَلَالًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِانْتِبَاذُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَهِي إلَى الْإِسْكَار إذَا انْتَبَذَ لِأَنَّ الْعَصِيرَ اُسْتُعْمِلَ مَعَ السَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الِانْتِبَاذِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِقَادِ لِمَنْفَعَتِهِ وَرُفِعَ الْفَسَادُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْمَرِيءُ يُعْمَلُ مِنْ الْعَصِيرِ فَإِنَّ تِلْكَ الصِّنَاعَةَ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الِانْتِبَاذِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا وَجْهًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَطَاعِمِ الْمَعْلُومَةِ فَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَصِيرَ لَهُ حُكْمُ النَّبِيذِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ الْوُصُولَ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَالْخَلِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا عِنْدِي عَلَى رِوَايَةِ إبَاحَةِ تَخْلِيلِ الْجِنْسَيْنِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: إنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَخْلِيلِ الْجِنْسَيْنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ مُبَاحٌ فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْهُ وَفِي الْمَرِيءِ غَرَضٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَحْرِيمُ الْخَمْرِ]

(ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ» عَلَى حَسَبِ مَا كَانُوا يَسْتَفْهِمُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يَشُكُّونَ مِنْ تَحْرِيمِ حَرَامٍ أَوْ تَحْلِيلِ حَلَالٍ أَوْ وُجُوبِ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْبِتْعِ وَهُوَ شَرَابُ الْعَسَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَعَلِمُوا تَحْرِيمَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَسَأَلُوهُ عَمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اسْمُ الْخَمْرِ يَقَعُ عَلَى الْبِتْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ لَمَا سَأَلَتْ الْعَرَبُ إذَا سَمِعَتْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ عَنْ الْبِتْعِ لِأَنَّ الْبِتْعَ هُوَ الْخَمْرُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ النَّبِيذِ أَوْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِاسْمٍ خَاصٍّ مِثْلُ أَنْ يَبْلُغَهُ تَحْرِيمُ خَمْرِ الْعِنَبِ أَوْ تَحْرِيمُ خَمْرِ التَّمْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ نَوْعٌ مِنْ الْخَمْرِ غَالِبًا عَلَى بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ فَيَكُونُ خَمْرُ التَّمْرِ غَالِبًا عَلَى بَلَدٍ مَا وَخَمْرُ التَّمْرِ غَالِبٌ عَلَى بَلَدٍ آخَرَ وَخَمْرُ الذُّرَةِ أَغْلَبُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيَكُونُ لَفْظُ الْخَمْرِ إذَا أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ أَظْهَرَ فِيمَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ لِكَثْرَتِهِ وَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الِاسْمِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُمْ فَيُسْأَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ عَنْ غَيْرِ مَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى مَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ وَرَدَ أَوَّلًا عَلَى سَبَبٍ فَظَنَّ هَذَا السَّائِلُ لَمَّا جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى سَبَبِهِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ سَمِعَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فَجُوِّزَ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ فَسَأَلَ عَنْ الْبِتْعِ لِيَعْلَمَ إنْ كَانَ حُكْمُ الْعُمُومِ جَازَ فِيهِ أَمْ لَا.

وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بِهَا أَشْرِبَةً يُقَالُ لَهَا الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ قَالَ: وَمَا الْبِتْعُ؟ قُلْت: شَرَابٌ يَكُونُ مِنْ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ يَكُونُ مِنْ الشَّعِيرِ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ جِنْسِ الشَّرَابِ لَا عَنْ مِقْدَارِ مَا حَرُمَ مِنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ مِقْدَارٍ مِنْهُ فَلَمَّا جَاوَبَ عَنْ السُّؤَالِ اقْتَضَى ذَلِكَ جَوَابَهُ عَنْ الْجِنْسِ وَإِلَّا كَانَ عُدُولًا مِنْهُ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ جَوَابًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّؤَالِ وَكَانَ السُّؤَالُ يَقْتَضِي الْجِنْسَ وَجَبَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>