للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِتْقُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ، ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إلَى أَنْ تُصْبِحَ فَهَلَكَتْ وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تُعْتِقَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْت لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّيَ هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَوْمٍ نَامَهُ فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِقَابًا كَثِيرَةً» قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكَاتِبَهُ، ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ مُكَاتَبًا، ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَأَمَّا الَّذِي يُعْتِقَهُ بَعْدَ مُكَاتَبَتِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُجْزِي فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا مُعْتَقٌ بَعْضُهُ وَلَا مُمَثَّلٌ بِهِ وَلَا مَنْ يُعْتَقُ بِالْقَرَابَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ عِتْقٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ رَدُّهُ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِيمَنْ كَاتَبَهُ هُوَ، أَوْ دَبَّرَهُ فَإِنْ كَاتَبَهُ غَيْرُهُ فَاشْتَرَاهُ هُوَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ الَّذِي قَالَ يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَهُ فَوْتًا وَلَمْ يَرُدَّهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عِتْقُهُ لِمُكَاتَبِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِنْ ابْتَاعَ مُدَبَّرًا كَتَمَهُ الْبَائِعُ تَدْبِيرَهُ فَأَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبٍ أَجْزَأَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَجُوزُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ عِتْقُ عَبْدٍ مُرْتَهَنٍ بِيَمِينٍ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عِتْقٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْهُ لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ.

وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي مَيْمُونَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ لِنَذْرِهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْعِتْقِ عَنْ ظِهَارِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَأَعْتَقَهَا عَنْ وَاجِبٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا مِنْهُ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالشِّرَاءِ أُمَّ وَلَدٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتُجْزِئُهُ إنْ كَانَتْ بَيِّنَةَ الْحَمْلِ فَإِنْ شَكَّ فِيهَا انْتَظَرَ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ لَمْ تُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَمَلَتْ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِرَحْمَتِهِ -.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ تَطَوُّعًا يُرِيدُ ابْتِدَاءَ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ، أَوْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ عِتْقٌ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِيمَانَ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] وَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ وَهَذَا كَلَامٌ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَتَاقَةُ نَوْعًا مِنْ الْمَنِّ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْعِتْقِ أَخُصُّ بِمَا تَقَدَّمَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ وَاسْمُ الْمَنِّ أَخَصُّ بِمَا مُنَّ عَلَيْهِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إنَّ الْإِمَامَ فِي الْأَسْرَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْقَتْلُ وَالْفِدَاءُ، أَوْ الْمَنُّ، أَوْ الِاسْتِرْقَاقُ، أَوْ عَقْدُ الذِّمَّةِ.

[عِتْقُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ]

(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فَأَمَّا عَنْ الْحَيِّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ رَجُلٍ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ وَاجِبٍ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَطْعَمَ عَنْهُ، أَوْ كَسَا وَذَلِكَ كَتَكْفِيرِهِ عَنْ الْمَيِّتِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ بِأَمْرِهِ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُمْكِنٌ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا وَيَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَيِّتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>