للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ (ص) : (مَالِكٌ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَضَعْت رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ أَحْسِنْ خُلُقَك لِلنَّاسِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» )

ــ

[المنتقى]

الزَّوْجِ وَنَفَقَتِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَصِلَ إلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ بِفِرَاقِهِ الزَّوْجَةَ وَلَا النَّقْصِ مِنْهُ بِإِمْسَاكِهِ لَهَا، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ مُقَدَّرٌ وَالْإِجْمَالَ فِي الطَّلَبِ مَشْرُوعٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أَعْطَى اللَّهُ مِنْ خَيْرِ دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَلَا مَانِعَ لَهُ، وَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مُعْطِيَ لَهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [يونس: ١٠٧] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى مِنْهُ غِنَاهُ إنَّمَا تَنْفَعُهُ طَاعَتُكَ وَالْعَمَلُ بِمَا يُقَرِّبُهُ مِنْك، يُقَالُ جَدَّ الرَّجُلُ يَجِدُّ إذَا صَارَ لَهُ جَدٌّ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْفَعُ ذَا الْجِدِّ مِنْك الْجِدُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْجِدَّ الِانْكِمَاشُ يُرِيدُ الِاجْتِهَادَ وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَنْفَعَ النَّاسَ الِاجْتِهَادُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ مِنْك اجْتِهَادٌ فِي اجْتِلَابِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ مَا قُدِّرَ لَهُ اجْتَهَدَ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْفِقْهَ فِي الدِّينِ يَقْتَضِي إرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَيْرَ لِعَبِيدِهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ فَقَّهَهُ فِي دِينِهِ وَالْخَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ سَمِعْت هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ يُرِيدُ بِذَلِكَ بَيَانَ صِحَّةِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَخَصَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهَا مِمَّا قَالَهُ نَبِيُّهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَلَّغَهُ إلَى الْأُمَّةِ تَبْلِيغًا شَائِعًا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يُقَالُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ لِيَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ وَيَحْمَدَ اللَّهَ بِهِ، وَقَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي يُرِيدُ أَنَّهُ أَحْسَنَهُ، وَأَتَى بِهِ عَلَى أَفْضَلِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ قَوْلَهُ إلَى الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ خَلَقَهُ حَسَنًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ خَلَقَهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ لَهُ وَعِلْمِهِ بِهِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ لِخَلْقِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا يُعَجَّلُ شَيْءٌ أَنَاهَ وَقَدَّرَهُ، وَمَعْنَاهُ لَا يَسْبِقُ وَقْتُهُ الَّذِي وُقِّتَ لَهُ قَالَ الْأَخْفَشُ: أَنَا الشَّيْءَ وَقْتَ بُلُوغِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ الْأَنَا التَّأْخِيرُ وَالِانْتِظَارُ قَالَ الشَّاعِرُ

وَآنَيْت الْعِشَاءَ إلَى سُهَيْلٍ ... أَوْ الشِّعْرَى فَطَالَ بِي الْإِنَاءُ

يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَسْبِقُ وَقْتَهُ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: ٣٤] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى وَقَوْلُهُ سَمِعَ لِمَنْ دَعَاهُ مَعْنَاهُ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخَبَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الدُّعَاءَ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى يُرِيدُ لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ غَايَةٌ يُرْمَى إلَيْهَا أَيْ يُقْصَدُ بِدُعَاءٍ أَوْ أَمَلٍ أَوْ رَجَاءٍ يُقَالُ هَذِهِ الْغَايَةُ الَّتِي يَرْمِي إلَيْهَا أَيْ يَقْصِدُ شُبِّهَتْ بِغَايَةِ السِّهَامِ الَّتِي تُرْمَى وَيُقْصَدُ بِهَا.

[مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ]

(ش) : قَوْلُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - آخِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>