للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ إلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ» )

ــ

[المنتقى]

يُرِيدُ الَّذِي يُعْيِي الْأَطِبَّاءَ أَمْرُهُ وَهَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ مُحَاوَلَتُهُ مِنْ أَمْرِ دِينٍ أَوْ دُنْيَا.

وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ الدَّاءُ الْعُضَالُ الْهَلَاكُ فِي الدِّينِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ هِيَ الْبِدَعُ فِي الْإِسْلَامِ وَمَعْنَى هَذَا إنْ صَحَّ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَقَدْ سَكَنَ الْكُوفَةَ أَفَاضِلُ الصَّحَابَةِ وَمِنْ الْعَشَرَةِ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَلَوْ كَانَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَنْعِ كَعْبٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى الْعِرَاقِ لَأَخْلَاهَا عُمَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَأَشْفَقَ عَلَى تَغَيُّرِ أَدْيَانِهِمْ، وَلَكِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ صَحَّ قَوْلُ كَعْبٍ لَهُ فَقَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ أَنَّهُمْ سَأَلُوا مَالِكًا عَنْ تَفْسِيرِ الدَّاءِ الْعُضَالِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَلَّلَ النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ بِالْإِرْجَاءِ وَبِنَقْضِ السُّنَنِ بِالرَّأْيِ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ سَلِمَ مِنْ الْغَلَطِ وَثَبَتَ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِ حَرَجٍ اضْطَرَّهُ لِشَيْءٍ ذُكِرَ لَهُ عَنْهُ مِمَّا أَنْكَرَهُ فَضَاقَ بِهِ صَدْرُهُ فَقَالَ ذَلِكَ، وَالْعَالِمُ قَدْ يَحْضُرُهُ ضِيقُ صَدْرٍ فَيَتَقَوَّلُ مَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَنْهُ بَعْدَ وَقْتٍ إذَا زَالَ غَضَبُهُ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ عَقْلِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَدِينِهِ وَإِمْسَاكِهِ عَنْ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ إلَّا بِمَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَثَبَتَ لَمْ يَكُنْ لِيُطْلِقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ شُهِرَ إكْرَامُ مَالِكٍ لَهُ وَتَفْضِيلُهُ إيَّاهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَالِكًا ذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ بِالْعِلْمِ بِالْمَسَائِلِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْهُ أَحَادِيثَ وَأَخَذَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُوَطَّأَ وَهُوَ مِمَّا أَرْوِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ شُهِرَ تَنَاهِي أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِبَادَةِ وَزُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ اُمْتُحِنَ وَضُرِبَ بِالسَّوْطِ عَلَى أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ فَامْتَنَعَ، وَمَا كَانَ مَالِكٌ لِيَتَكَلَّمَ فِي مِثْلِهِ إلَّا بِمَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا تَكَلَّمَ فِي أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ قَوْمًا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَبَحَثُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا وَأَدْرَكْت بِهَا قَوْمًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ سَكَتُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ فَسَكَتَ النَّاسُ عَنْ عُيُوبِهِمْ فَمَالِكٌ يُزَهِّدُ النَّاسَ عَنْ الْعُيُوبِ وَمِنْ أَيْنَ يَبْحَثُ فِي عُيُوبِ النَّاسِ وَكَيْفَ يَذْكُرُ الْأَئِمَّةَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي كِتَابِ فِرَقِ الْفُقَهَاءِ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنْتُ وُجُوهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ]

(ش) : «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ» حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِحَيَّاتِ الْبُيُوتِ دُونَ غَيْرِهَا، قَالَ مَالِكٌ لَا تُنْذَرُ فِي الصَّحَارَى وَلَا تُنْذَرُ إلَّا فِي الْبُيُوتِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَحُكْمُ حَيَّاتِ الْجُدُرِ حُكْمُ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤْخَذَ بِذَلِكَ فِي بُيُوتِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ الْبُيُوتِ مِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَيَكُونُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعَهْدِ وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بُيُوتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>