للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» )

ــ

[المنتقى]

لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِمَا عَقْدٌ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْمَلَهُمَا التَّعْجِيلُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْآخَرِ وَقَدْ بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مَعَ أَحَدِهِمَا عَرْضٌ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَمْ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَجُوزُ مِنْ الصَّرْفِ مَعَ الْبَيْعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ الصَّرْفُ مَعَ الْبَيْعِ فِي الْيَسِيرِ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ فَيَجْرِي فِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَبَعًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَأْخُذُ لَحْمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ تُعَجَّلَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَقَلِّ الدِّينَارِ وَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الصَّرْفُ يَشْتَمِلُ عَلَى دِينَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ التَّبَعِ إلَّا الْيَسِيرُ أَوْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الصَّرْفِ إلَّا الْيَسِيرُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدِّينَارِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّبَعِ فَيَكُونُ مِنْهُ لِلصَّرْفِ أَقَلُّ مِنْ دِينَارٍ فَإِنْ بَلَغَ الدِّينَارَ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الدَّنَانِيرِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَنْ يَزْدَادَ فِي الثَّمَنِ مِقْدَارُ الدِّينَارِ يَجِبُ عَلَى هَذَا قَصْرُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى بَلَدٍ لَا يَجْرِي فِيهِ إلَّا الصَّحِيحُ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الصَّقَلِّيِّينَ إنَّ الرُّبَاعِيَّ الَّذِي يُبْتَاعُ بِهِ عِنْدَهُمْ يَجْرِي مَجْرَى الدِّينَارِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلصَّرْفِ، وَالسِّلْعَةُ تَبَعٌ فَكَمْ الْيَسِيرُ مِنْهَا حُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ مَنَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ دُونَ تَحْدِيدٍ.

[مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ دَلِيلٌ عَلَى تَجْوِيزِ عِوَضِ الدِّينَارِ وَمُرَاوَضَةِ مُتَبَايِعِهِمَا فِي صَرْفِهِمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ أَوْ مَعْرِفَةِ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْعَطَاءُ وَقَوْلُهُ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْمُصَارَفَةِ لِمَنْ لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ مُتَّجِرًا، وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ مُتَّجِرًا أَوْ صِنَاعَةً فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمَلَ بِالصَّرْفِ إلَّا أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِيهِ حَتَّى عَقَدَا الصَّرْفَ فَأَخَذَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا لِيَعْلَمَ جَوْدَتَهَا ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ خَازِنُهُ مِنْ الْغَابَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَأْخِيرَ الدَّرَاهِمِ خَاصَّةً وَيَقْبِضَ هُوَ الدَّنَانِيرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إقْرَارَ الدَّنَانِيرِ بِيَدِ مَالِكِهَا حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنُهُ مِنْ الْغَابَةِ فَيَتَقَابَضَا يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ يُرِيدُ لَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكُمَا عَقْدٌ حَتَّى يَنْتَجِزَ مَا بَيْنَكُمَا مِنْ التَّقَابُضِ ثُمَّ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقَابُضَ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُمَا بَلْ يَقْتَرِنُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ الْعِوَضِ بِقَوْلِهِ هَاءَ وَلِذَلِكَ فَهِمَ مِنْهُ عُمَرُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ تَعْجِيلَ التَّقَابُضِ فَأَمَّا التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ وَمَا جَوَّزَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرْكُهُ التَّأْوِيلَ وَالْمُرَاجَعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>