للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ) (التَّرْغِيبُ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» )

ــ

[المنتقى]

[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ] [التَّرْغِيبُ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ عَلَى مَعْنَى الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِصِفَةِ الْبَشَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا يَعْلَمُ الْمُحِقَّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مِنْ الْمُبْطِلِ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَالُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ الْغَيْبِ إلَّا مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، وَلَمَّا كَانَتْ الدُّنْيَا دَارَ تَكْلِيفٍ وَكَانَتْ الْأَحْكَامُ تَجْرِي عَلَى ذَلِكَ أَجْرَى فِي غَالِبِ أَحْكَامِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَحْوَالِ سَائِرِ الْحُكَّامِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْكَاذِبِ مِنْهُمَا، وَقَالَ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَتَنَازَعُونَ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا تَنَازُعًا يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ فَيُخَاصِمُهُ فِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاكِمُ فِي زَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْأُمَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالرِّئَاسَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا هُوَ أَوْ مَنْ قَدَّمَهُ لِذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] وَقَوْلُهُ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] وَقَوْلُهُ {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ الْقَاضِي وَالثَّانِي فِي مَجْلِسِهِ وَأَدَبِهِ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي) فَأَمَّا صِفَاتُهُ فِي نَفْسِهِ فَإِحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا بَالِغًا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مُفْرَدًا، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَالسَّادِسَةُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، وَالسَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.

فَأَمَّا اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْقِصَاصِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَاضِيَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَمْرٌ يَتَضَمَّنُ فَصْلَ الْقَضَاءِ فَوَجَبَ أَنْ تُنَافِيهِ الْأُنُوثَةُ كَالْإِمَامَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ عِنْدِي عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ قُدِّمَ لِذَلِكَ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ وَلَا بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ امْرَأَةٌ كَمَا لَمْ يُقَدَّمْ لِلْإِمَامَةِ امْرَأَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدًا مُفْرَدًا فَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ قَاضِيَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالنَّظَرِ فِي قَضِيَّةٍ وَلَا قَبُولُ بَيِّنَةٍ وَلَا انْفِرَادٌ بِإِنْفَاذِ حُكْمٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي زَاهِيهِ وَالْحَاكِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ حَاكِمٍ فَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا حَاكِمًا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا أَنْ يُسْتَقْضَى فِي الْبَلَدِ الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالنَّظَرِ فِي مَا يُرْفَعُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>