للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً) .

ــ

[المنتقى]

الْمَنَاسِكِ إلَى عَرَفَةَ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّ عُرْفَ الْمَشْيِ إلَيْهَا بِهَذِهِ الْقُرْبَةِ يُحْمَلُ الْمَشْيُ إلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى مَكَّةَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْمَشْيَ فِي الْمَنَاسِكِ وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ يَمْشِي فِي الْمَنَاسِكِ إنَّمَا ذَلِكَ لِلْمُرَاهِقِ الَّذِي أَعْجَلَهُ خَوْفُ الْفَوَاتِ عَنْ إتْيَانِ مَكَّةَ فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَ إتْيَانِ مَكَّةَ بِقَصْدِ رَفْعِ الْأَشْكَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى غَيْرِ مَكَّةَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَا إلَى الْمَدِينَةِ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ النَّاذِرَ لِلْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقْصِدَ بِنَذْرِهِ النُّسُكَ أَوْ يُطْلِقَ النِّيَّةَ أَوْ يَنْوِي الْمَشْيَ خَاصَّةً دُونَ النُّسُكِ فَإِنْ قَيَّدَ نِيَّتَهُ بِالنُّسُكِ أَوْ أَطْلَقَهَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَالنُّسُكُ لِأَنَّ ظَاهِرَ نَذْرِهِ الْقُرْبَةُ، وَالْقُرْبَةُ إنَّمَا هِيَ فِي النُّسُكِ وَأَمَّا إنْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالْمَشْيِ خَاصَّةً فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا.

[مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ]

(ش) : قَوْلُهُ رَأَى أَنَّ رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَآهُ مُلَازِمًا لِذَلِكَ دُونَ قُعُودٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِظْلَالِ وَالْقُعُودِ وَخَارِجًا فِيهِ عَنْ عَادَةِ النَّاسِ فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَبَبِهِ فَأُعْلِمَ أَنَّهُ نَذَرَ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ الْقِيَامِ لِلشَّمْسِ وَالصِّيَامِ وَالصَّمْتِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مِنْهَا مَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ طَاعَةً وَهُوَ الصَّوْمُ وَمِنْهَا مَا لَا يَلْزَمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طَاعَةٌ كَالْقِيَامِ لِلشَّمْسِ وَالصَّمْتِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُعْلِمُهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ فِيهِ وَيُعْلِمَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَيَتْرُكُ إتْعَابَ نَفْسِهِ فِيهِ وَإِلْزَامَهَا إيَّاهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ فِيهِ قُرْبَةً لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قُرْبَةٌ وَالْمَشْيَ إلَيْهَا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ قُرْبَةٌ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنَّ فِي حَجِّ الْمَاشِي مِنْ الْقُرْبَةِ مَا لَيْسَ فِي حَجِّ الرَّاكِبِ وَأَمَّا الْوُقُوفُ فِي الشَّمْسِ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَأَمَّا تَرْكُ الِاسْتِظْلَالِ حَالَ الْمَشْيِ لِلْمُحْرِمِ فَإِنَّمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَالَ الْإِحْرَامِ كَتَرْكِ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَرْكِ التَّطَيُّبِ وَالصَّيْدِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِحْرَامِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ يُرِيدُ مَالِكٌ بِذَلِكَ نَفْيَ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ فِيمَا تَرَكَهُ مِنْ نَذْرِهِ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الشَّمْسِ وَالصَّمْتِ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا يَمْشِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ بِالنَّذْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَدَلٌ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>