للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] إلَى قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فِيمَا يُحْكَمُ بِهِ فِي الْهَدْيِ شَاةٌ وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ هَدْيًا وَذَلِكَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَكَيْفَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَاةٍ وَمَا لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِشَاةٍ فَهُوَ كَفَّارَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ إطْعَامُ مَسَاكِينَ)

ــ

[المنتقى]

[مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ]

(ش) : قَوْلُهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَمَعْنَاهُ وَمُقْتَضَاهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَعُلِمَ ذَلِكَ بِالتَّوْفِيقِ أَوْ بِالدَّلِيلِ دُونَ أَنْ يَخْتَصَّ هَذَا الِاسْمُ بِالشَّاةِ فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَمُسْتَعْمَلِ الْخِطَابِ.

فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ بِعُرْفِ التَّخَاطُبِ جَازَ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ وَاقِعٌ عَلَى الشَّاةِ وَأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ هَدْيٍ وَإِنْ عَلِمْنَا ذَلِكَ بِدَلَالَةٍ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ أَوْ الدَّلِيلِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تَخْتَصُّ فِي اللُّغَةِ بِالشَّاةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] لِأَنَّ اسْمَ الْمُسْتَيْسَرِ مِنْ الْهَدْيِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ لَا يُطْلِقُ عَلَى الشَّاةِ اسْمَ الْهَدْيِ وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا فَلَا يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَلَفْظُ الْبُدْنِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَتَنَاوَلهُ مِنْ بُدْنٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ وَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ كُلٌّ بِقَدْرِ يَسَارَتِهِ فَاقْتَضَى بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فِي حَقِّ الْغِنَى الْبَدَنَةُ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ الْبَقَرَةُ وَفِي حَقِّ الْفَقِيرِ الشَّاةُ.

(مَسْأَلَةٌ)

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشِيرَ بِهِ إلَى أَقَلِّ أَجْنَاسِ الْهَدْيِ وَالثَّانِي إلَى أَقَلِّ صِفَاتِهِ فَأَمَّا أَقَلُّ أَجْنَاسِ الْهَدْيِ فَهُوَ الشَّاةُ وَأَمَّا أَقَلُّ صِفَاتِ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْبَدَنَةُ دُونَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ فَهَذَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا مَكَانُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَمْنَعُ الْوَاجِدَ لِلْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَنْ يُهْدِيَ الشَّاةَ إمَّا مَنْعُ تَحْرِيمٍ أَوْ مَنْعُ كَرَاهِيَةٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ يُطْلِقُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يُهْدِيَ الشَّاةَ مَعَ وُجُودِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَلَفْظُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ يَقْتَضِي الْمُسْتَيْسَرَ مِنْهُ عَلَى الْمُخْرِجِ لَهُ لِأَنَّ الْمُسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى حَالِ الْمُخْرِجِ إنْ تَيَسَّرَ لَهُ إخْرَاجُهُ.

وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الْغِنَى وَيَنْصَرِفُ إلَى التَّمَكُّنِ وَسُهُولَةِ التَّنَاوُلِ وَأَمَّا الْأَدْوَنُ وَالْأَقَلُّ فَلَفْظُ الْمُسْتَيْسَرِ فِيهِ أَظْهَرُ وَالْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ يَتَنَاوَلُهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْمُ الْهَدْيِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْهَدْيِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ الشَّاةِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة: ١٩٦] يَقْتَضِي مَا تَيَسَّرَ عَلَى الْمُخْرِجِ وَسَهُلَ عَلَيْهِ وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّخْفِيفِ وَالتَّجَوُّزِ عَنْ الْيَسِيرِ وَلَوْ قُلْت لِإِنْسَانٍ: افْعَلْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك لَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُجَوِّزُ عَنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفِعْلِ وَتَعْلِيقُ هَذَا بِاخْتِيَارِهِ وَمَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَقَالَ فَمَا وُجِدَ مِنْ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الشَّاةَ هَدْيًا وَكَيْفَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَاةٍ وَمَا لَا يَبْلُغُ الشَّاةَ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِهَدْيٍ يَقْتَضِي الدَّلَالَةَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ أَنْ يُحْكَمَ فِي الصَّيْدِ بِشَاةٍ جَازَ إخْرَاجُهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَتَنَاوَلُهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّيْدَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِشَاةٍ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِهَدْيٍ وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>