للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُرْسِلُ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَتَقُولُ: أَلَا تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ) .

مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُوَيْطِبٍ الْمَخْزُومِيِّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا الْغِيبَةُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قُلْت بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ» .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنْ يَمْدَحَ الْإِنْسَانُ فَيُصَدَّقُ بِهِ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوبَ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَذُمَّهُ فَيُصَدَّقُ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوبَ إلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ سَحَرَ السَّامِعِينَ وَرُوِيَ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ «وَرَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدٌ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْأَصَمِّ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْثَمِ فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا سَيِّدُ تَمِيمٍ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ وَالْمُجَابُ فِيهِمْ آخِذٌ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ وَهَذَا يَعْلَمُ ذَلِكَ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْأَهْثَمِ فَقَالَ عَمْرٌو: إنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ مَانِعٌ لِجَانِبِهِ مُطَاعٌ فِي أَدَانِيهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إلَّا الْحَسَدُ؛ فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُك، فَوَاَللَّهِ إنَّك لَلَئِيمُ الْخَالِ حَدِيثُ الْمَالِ أَحْمَقُ الْوَالِدِ مُبْغَضُ فِي الْعَشِيرِ، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقْت أَوَّلًا وَمَا كَذَبْت آخِرًا وَلَكِنِّي رَجُلٌ رَضِيت فَقُلْت أَحْسَنَ مَا عَلِمْت وَغَضِبْت فَقُلْت أَقْبَحَ مَا وَجَدْت؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُرْسِلُ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَتَقُولُ: أَلَا تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ) .

(ش) : قَوْلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ لَغْوًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ الْمُبَاحُ فَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ الْمَحْظُورُ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ مَا تَقْسُو بِهِ الْقُلُوبُ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ يُرِيدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ لَا تَنْظُرُوا فِي عُيُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْظُرُ فِي ذُنُوبِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثِيبُ عَلَى حَسَنِهَا وَلَا يُعَاقِبُ عَلَى سَيِّئِهَا وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهَا رَبُّهُ الَّذِي أَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَيُثِيبُهُ عَلَى حَسَنِهَا وَيُعَاقِبُهُ عَلَى سَيِّئِهَا وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيُصْلِحَ مِنْهَا مَا فَسَدَ وَيَتُوبُ مِنْهَا عَمَّا فَرَّطَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِالذُّنُوبِ، وَقَوْلُهُ: وَمُعَافًى، يُرِيدُ مِنْ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ يُرِيدُ مَنْ اُمْتُحِنَ بِالذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ يُرِيدُ مِنْ الذُّنُوبِ فَإِنَّكُمْ بِفَضْلِ اللَّهِ عُصِمْتُمْ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُعَافَاةُ مِنْهَا بِالصِّحَّةِ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ.

[مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ]

(ش) : سُؤَالُ الرَّجُلِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْغِيبَةِ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ لِمَا سَمِعَ فِيهَا مِنْ النَّهْيِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢] فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْغِيبَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِيَجْتَنِبَهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ» يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَفْعَالِ الْمَرْءِ وَأَقْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي يَكْرَهُ أَنْ يُوصَفَ بِهَا وَرُبَّمَا ذُمَّ بِهَا فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا مِنْ الْغِيبَةِ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ حَقًّا وَهَذَا لِمَنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْغِيبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>