للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

مَالِكٍ لَا تَلْزَمُ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ أَهْلَ بَلَدٍ حَتَّى يَحْمِلَهُمْ السُّلْطَانُ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ يُقْضَى بِهَا بِكُلِّ بَلَدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا أَهْلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَدِّثَهَا وَيَحْكُمَ بِهَا عَلَى مَنْ عَرَفَهَا وَجَهِلَهَا قَبْلَ التَّقَدُّمِ فِيهَا وَبَعْدَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَمَّا كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الصِّحَّةِ حُمِلَ عَلَيْهِ حَيْثُ الْعُرْفُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَفِي هَذَا الْبَابِ مَعْنًى آخَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِينِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَحَلِّهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ لِمَنْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانَ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَ مَحَلُّ الضَّمَانِ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُرْفٌ أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ عُرْفٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُرْفٌ جَازَ نَقْلُهُ بِالشَّرْطِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ وَاشْتِرَاطِ ضَمَانِهَا مِنْ غَيْرِ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ عَنْ الْقَابِلِ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَقْلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ نَقْلَهُ فِي عَقْدِ بَيْعٍ عَمَّا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَشَرَطَ نَقْلَهُ إلَى مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ صَحَّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، وَإِنْ شَرَطَ نَقْلَهُ عَمَّا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ لِلْعُرْفِ وَجْهٌ صَحِيحٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهٌ صَحِيحٌ بَطَلَ الْعَقْدُ وَصَحَّ الشَّرْطُ فَعَلَى هَذَا إنْ شَرَطَ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْعُهْدَةِ فَعَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ يَثْبُتُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الْعُرْفِ، فَإِنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ يَثْبُتُ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ وَعَلَى قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَثْبُتُ الْعَقْدُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَلَ غَيْرُ بِلَادِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْعُهْدَةِ أَمْ لَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَدِدْت أَنَّ النَّاسَ يُحْمَلُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَا يُحْمَلُ أَهْلُ الْآفَاقِ عَلَى الْعُهْدَةِ وَلْيُتْرَكُوا عَلَى حَالِهِمْ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَهُ وَجْهُ احْتِيَاطٍ فِي بِيَاعَاتِ الرَّقِيقِ وَتَجُوزُ مَا كَثُرَ مِنْ تَدْلِيسِ النَّاسِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَنَصْبِ الْمِكْيَالِ وَالْمَوَازِينِ وَمَنْعِ كَسْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ عُرْفَ الْبِلَادِ إذَا وَافَقَهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُ حُكْمِهِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِهَا مِنْ الْمَبِيعِ] ١

ِ أَمَّا مَحَلُّ الْعُهْدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ فَهُوَ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لَهُ تَمْيِيزًا تُكْتَمُ بِهِ عُيُوبُهُ فَجُعِلَتْ الْعُهْدَةُ بِاخْتِيَارِ حَالِهِ وَتَبَيُّنِ أَمْرِهِ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ، وَهَذَا ضِدُّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّ لِلرَّقِيقِ أَفْهَامًا تُخْبِرُ عَنْ أَسْبَابِ أَمْرَاضِهِ الَّتِي يَجِدُهَا قَبْلَ ظُهُورِهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ كِتْمَانُ السَّيِّدِ لِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ أَمْرَاضِهِ تَدْلِيسًا يَقُومُ مَقَامَ تَدْلِيسِهِ بِمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ عُيُوبِهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ حَيْثُ يَخْتَلِفُ حَالُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فِي الْمَعْرِفَةِ بِالْعَيْبِ فَإِذَا اسْتَوَتْ حَالُهُمَا فِي ذَلِكَ بَطَلَ الْخِيَارُ، فَلَمَّا كَانَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْمَبِيعَاتِ لَا يُمْكِنُهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا يَجِدُ مِنْ أَوَائِلِ الْأَمْرَاضِ وَأَسْبَابِهَا وَمَبَادِيهَا فِي بَاطِنِ جِسْمِهِ اسْتَوَتْ حَالُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ أَدْوَاءُ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ تَتَقَدَّمُ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَتَظْهَرُ بِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ وَالْأَزْمِنَةِ كَانَتْ الْعُهْدَةُ فِيهَا سَنَةً لِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْفُصُولِ وَالْأَزْمِنَةِ وَلَمَّا كَانَتْ سَائِرُ الْأَدْوَاءِ لَا تَتَقَدَّمُ أَسْبَابُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ عُهْدَتَهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا يَجِدُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا عَلَّلْنَا لِلْجِنْسِ دُونَ أَعْيَانِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>