للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَالَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ يَعْنِي حُمْلَانَهُ) .

ــ

[المنتقى]

خَيْرًا مِنْهَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي الصِّفَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابِلِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ نَقْصٌ فِي وَجْهٍ آخَرَ مِثْلُ أَنْ يُسْلِفَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ رَدِيئَةَ الذَّهَبِ فَيَقْضِيَهُ ثَمَانِيَةً جَيِّدَةَ الذَّهَبِ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَسْكُوكَةٍ رَدِيئَةِ الذَّهَبِ فَيَقْضِيَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ التِّبْرِ الْجَيِّدِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَإِنْ كَانَتْ الْفَضِيلَةُ فِي الْقَدْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إقْرَاضُهُ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا فَإِنْ كَانَ إقْرَاضُهُ وَزْنًا فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعَدَدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْوَزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَسِيرَ.

(مَسْأَلَةٌ)

فَإِنْ أَقْرَضَهُ عَدَدًا جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَدَدِ أَفْضَلَ وَزْنًا مِثْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَنْصَافًا فَيَقْضِيَهُ مِائَةً وَازِنَةً لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي الْجِنْسِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْعَدَدِ إلَّا الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَضَاهُ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَكْثَرَ وَزْنًا أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَقَلَّ وَزْنًا لَمْ يَجُزْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الرَّجُلِ أَفْضَلَ مِمَّا سَلَّفَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطٍ وَلَا عَادَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْرِيَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَادَةٍ يَكُونُ الْقَرْضُ مِنْ أَجْلِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي إنْكَارًا لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ أَوْ لِعَادَةٍ يَرْجُوهَا لَمَا أَنْكَرَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَأَمَّا الشَّرْطُ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ، وَأَمَّا الْعَادَةُ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ أَيْضًا، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فَيَكْرَهَانِهِ وَلَا يَرَيَانِهِ حَرَامًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الْعَادَةَ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَصْدُ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ زِيَادَتَهُ كَالشَّرْطِ، وَلِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ إذَا أَقْرَضَ لِهَذَا الرَّجَاءِ الَّذِي اعْتَادَهُ فَقَدْ دَخَلَ عَمَلَهُ الْفَسَادُ وَالتَّحْرِيمُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَا أَقْرَضَهُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْقَرْضِ، وَلِذَلِكَ أَبْدَى ابْنُ عُمَرَ مَعْنَى الْجَوَازِ فِي الزِّيَادَةِ، وَقَالَ إنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وَأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي زَادَهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَرْطٍ، وَلَا عَادَةٍ، وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَرِضَاهُ بِإِسْدَاءِ الْمَعْرُوفِ إلَى مَنْ أَقْرَضَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا لَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ]

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّذِي أَسْلَفَ طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ تَبْيِينٌ لِوَجْهِ الْمَنْعِ وَمُقْتَضِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ زِيَادَةً فِي قَرْضِهِ، وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَالَهُ حَمْلٌ كَالطَّعَامِ وَسَائِرِ الْمَتَاعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ جَازَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَضَاءِ حَيْثُ الْتَقَيَا رَوَاهُ عَبْدُ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةُ الْمُقْتَرَضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ قَضَاءً فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّبَايُعِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِازْدِيَادِ فِيهِ فَإِنْ لَقِيَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْقَضَاءِ فِيهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِثْلَ الَّذِي يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك أَوْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ.

(مَسْأَلَةٌ)

فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فِي دَرَاهِمَ مِثْلِ الصَّفَائِحِ الَّتِي يَدْفَعُهَا رَجُلٌ لِآخَرَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ لِيَقْضِيَهُ إيَّاهَا بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَنْعُ، وَرَوَى أَبُو الْفَرْجِ الْجَوَازَ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا أَوْ لَا يَضْرِبَ أَجَلًا فَإِنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا جَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>