للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالذَّهَبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ وَالثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ) .

ــ

[المنتقى]

وَدَلِيلٌ عَلَى تَوَقِّي لَابِسِهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَارِئِ الْعَابِدَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ يُتْقِنْ لَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ يُرِيدُ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْتَحْسِنْ لِلْعِبَادِ الْخُرُوجَ عَنْ حُسْنِ الزِّيِّ إلَى الْمَلْبَسِ الْمُسْتَخْشَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ الْعَادَةِ وَمَدْخَلٌ فِيمَا يُشَوِّهُ.

وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِرَجُلٍ تَنَسَّكَ فَلَبِسَ الصُّوفَ رَأَيْته نَسَكَ نُسُكًا أَعْجَمِيًّا فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ لِبَاسِ الصُّوفِ الْغَلِيظِ فَقَالَ لَا خَيْرَ فِي الشُّهْرَةِ، وَلَوْ كَانَ يَلْبَسُهُ تَارَةً وَيَتْرُكُهُ تَارَةً لَرَجَوْت، وَلَا أُحِبُّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْتَهِرَ وَمِنْ غَلِيظِ الْقُطْنِ مَا هُوَ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَلْيُرَ عَلَيْك مَالُكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْسُو الْحُلَلَ وَقَالَ عُمَرُ: أُحِبُّ أَنْ أَرَى الْقَارِئَ أَبْيَضَ الثِّيَابِ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا لِمَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا أَكْرَهُهُ لَهُ وَاسْتَحْسَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ حُسْنَ الزِّيِّ وَالتَّجَمُّلَ بِالثِّيَابِ الْمُبَاحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» وَسَأَلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: ٧٧] فَقَالَ أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ، وَقَدْ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ التَّجَمُّلُ وَحُسْنُ الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ، وَمُنِعَ الِاحْتِزَامُ وَتَشْمِيرُ الْكُمَّيْنِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِمَّا يُنَافِي زِيَّ الْوَقَارِ، وَكَذَلِكَ شُرِعَ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ التَّجَمُّلُ بِالْمَلْبَسِ وَالتَّطَيُّبُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فَالْعَالِمُ مِمَّنْ يَجْتَمِعُ إلَيْهِ النَّاسُ وَيَرِدُونَ عَلَيْهِ فَشُرِعَ لَهُ التَّجَمُّلُ بِالْمَلْبَسِ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَالِهِ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَلْبَسِهِ فَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى عَادَةِ مِثْلِهِ، وَلَا يَخْلُ بِحَالِهِ حَتَّى يُكْرَهَ النَّظَرُ إلَيْهِ وَإِلَى زِيِّهِ وَيَبْشَعُ بِذَلِكَ ذِكْرُهُ، وَقَوْلُهُ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَمَعْنَى جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَوْ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ فَآثَرَ لِبَاسَ الثَّوْبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَلُ فِي اللِّبَاسِ وَأَشْبَهُ بِزِيِّ الْوَقَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالذَّهَبِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ، وَهُوَ الْمُغَرَّى وَالْمَصْبُوغُ بِالزَّعْفَرَانِ يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْمِشْقِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالزَّعْفَرَانِ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إنْ طُيِّبَ لَا يُحَرَّمُ عَلَى النِّسَاءِ فَلِمَ يُحَرَّمُ عَلَى الرِّجَالِ كَالْمِسْكِ وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُزَعْفِرَ الرَّجُلُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُحْرِمَ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ»

<<  <  ج: ص:  >  >>