للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ) .

ــ

[المنتقى]

تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ إنْكَارِ أَمْرٍ وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الدُّعَاءَ عَلَى مَنْ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَعَلِمَ أَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَالِبًا يُسْتَجَابُ اعْتَقَدَ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ أَوْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ لَمَّا أَتَاهُ وَقَدْ أُخْرِجَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقُولُهُ فَقَالَ لِلرَّجُلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ قَوْلُ مَنْ تَيَقَّنَ وُقُوعَ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا عَلِمَ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَقَعَ مِنْهُ خِلَافُهُ، وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ الْآيَاتِ مَعَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف: ٩] فَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَعْنَى تَوْجِيهِ قَوْلِهِ أَوْ دُعَائِهِ إلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّجُلُ مِنْ الشَّهَادَةِ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخَيْرِ لَهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا.

(فَصْلٌ) :

وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّجَمُّلِ فِي الْمَلْبَسِ وَالزَّجْرِ عَنْ تَرْكِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي لَوْنِ الْمَلْبُوسِ وَحُسْنِهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي فِي الْمَلْبُوسِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَ زِيٍّ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ الْعَمَائِمُ وَهِيَ تِيجَانُ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ الْعِمَّةُ وَالِاحْتِبَاءُ وَالِانْتِعَالُ مِنْ عَمَلِ الْعَرَبِ، وَكَانَتْ الْعِمَّةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ حَتَّى كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يُرِيدُ وُلَاةَ بَنِي هَاشِمٍ فَتَرَكْنَاهَا خَوْفًا مِنْ خِلَافِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَسُوهَا، وَلَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ إلَّا وَهُمْ يَتَعَمَّمُونَ كُنْت أَرَى فِي حَلْقَةِ رَبِيعَةَ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ رَجُلًا مُتَعَمِّمِينَ وَأَنَا مِنْهُمْ، وَكَانَ رَبِيعَةُ لَا يَدَعُهَا حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا قَالَ رَبِيعَةُ وَإِنِّي لَأَجِدُهَا تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاقْتِعَاطَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّمَ وَلَا يَجْعَلَ تَحْتَ ذَقَنِهِ مِنْهَا شَيْئًا وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ» وَفَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَ اغْتِسَالِهِ وَفِي مَرَضِهِ لَا بَأْسَ بِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يُرْخِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ الذُّؤَابَةَ أَوْ يُرْسِلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا إلَّا يُرْسِلُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُرْخِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ رَبِيعَةُ وَابْنُ هُرْمُزَ يُسْدِلَانِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَلَسْت أَكْرَهُ إرْخَاءَهَا مِنْ خَلْفِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَكِنَّ هَذَا أَجْمَلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِهِ أَظْهَرَ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ أَوْلَى وَأَصْوَبُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَأَلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَلَانِسِ هَلْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَقَالَ كَانَتْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا أَرَى، وَكَانَتْ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَلَنْسُوَةٌ.

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ قَارِئَ الْقُرْآنِ الْمَعْرُوفَ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورَ بِهِ وَهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْغَبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صِفَتَهُمْ وَيَكُونَ هَذَا رَأْيَهُمْ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ لُبْسُ الْبَيَاضِ دُونَ لُبْسِ الْمُصَبَّغَاتِ مِنْ الْمُعَصْفَرِ الْمُشَبَّعِ وَغَيْرِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ» .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَقَاءَ ثِيَابِهِ وَسَلَامَتَهَا مِنْ الْوَضَرِ، وَأَنْ لَا تُدَنَّسَ أَلْوَانُ الثِّيَابِ وَيُغَيَّرَ بَيَاضُهَا؛ لِأَنَّ نَقَاءَ الثَّوْبِ مِنْ حُسْنِ الزِّيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>