للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَاعْتِبَارُ حَالِ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ، وَالْحَالُ جَارِيَةٌ عَلَى قَدْرِهِ وَلِحَالِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ اعْتِبَارٌ، فَإِنْ كَانَا رَفِيعَيْ الْحَالِ فَالْخِدْمَةُ سَاقِطَةٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ شَرِيفًا رَفِيعَ الْحَالِ فَلَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ غَنِيًّا رُوعِيَ فِي هَذَا شَرَفُهَا مَعَ غِنَاهُ فَلَهَا الْخِدْمَةُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَمْ يَنْفَعْهَا شَرَفُهَا وَكَانَتْ الْخِدْمَةُ عَلَيْهَا ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَى خَادِمِهَا، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْهَا خَادِمًا وَلَا أُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهَا وَلَمْ تَرْضَ هِيَ إلَّا بِخَادِمِهَا فَذَلِكَ لَهَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْدُمْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ خَادِمَهَا أَطْوَعُ لَهَا وَخِدْمَةُ خَادِمِهَا أَرْفَعُ لِحَالِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِرَّ بِهَا فِي إزَالَتِهَا عَنْهَا وَإِبْدَالِهَا بِغَيْرِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا تَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ وَحَالُهُ يَحْمِلُ لَزِمَهُ أَنْ يَخْدِمَهَا خِدْمَةَ مِثْلِهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ خِدْمَةَ الثَّانِيَةِ خِدْمَةٌ تَحْتَاجُ الزَّوْجَةُ إلَيْهَا مَعَ أَنَّ حَالَهُمَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِمَا فَكَانَتْ لَازِمَةً لِلزَّوْجِ كَخِدْمَةِ الْخَادِمِ الْأُولَى.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْخِيَارِ لِلزَّوْجَةِ بِالْإِعْسَارِ عَنْ ذَلِكَ] ١

َ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِعْسَارَ بِالنَّفَقَةِ، وَالْمُؤْنَةِ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلزَّوْجَةِ بَيْنَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ بِلَا نَفَقَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَوْعُ مِلْكٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ فَكَانَ لِلْإِعْسَارِ بِهَا تَأْثِيرٌ فِي إزَالَتِهِ كَمِلْكِ الْيَمِينِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ أُعْسِرَ بِمِثْلِ قُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَجِدُ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الْحَالِ، وَالشَّرَفِ مِمَّنْ لَا تَلْبَسُ خَشِنَ الثِّيَابِ وَلَا تَتَنَاوَلُ غَلِيظَ الْعَيْشِ فَأُعْدِمَ الزَّوْجُ حَتَّى لَا يَجِدُ إلَّا كِسْوَةً دَنِيَّةً وَقُوتًا دُونَ قُوتِ خَادِمِهَا مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سَلْتٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَرُبَّ بَلَدٍ لَا يُنْفِقُ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ إلَّا الشَّعِيرَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْخُبْزَ وَنَحْوَهُ وَمَا يُوَارِي عَوْرَتَهَا، وَلَوْ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ قَالَ مَالِكٌ مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ لِعُسْرِهِ إلَى أَنْ يُنْفِقَ قُوتًا لَيْسَ مِنْ أَقْوَاتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِقُوتٍ مُعْتَادٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَجِدْ قُوتًا مُعْتَادًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ عَدِمَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ وَوَجَدَ الْآخَرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنْ طَلَبَتْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ بِمَا يَلْزَمُهُ لَهَا بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ أَوْ بِبَعْضِهِ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِالنِّكَاحِ مِنْ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْبُضْعِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ فَبِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بِالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أُعْسِرَ بِالنَّفَقَةِ وَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَ، وَالشَّهْرَيْنِ قَالَ أَصْبَغُ: إنْ لَمْ يُطْمَعْ لَهُ بِمَالٍ فَلَا يُؤَجَّلُ إلَّا الشَّهْرَ لَا يَبْلُغُ الشَّهْرَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قِيلَ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَ وَقِيلَ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ الثَّلَاثَةَ وَنَحْوَهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ رَوَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُضْرَبُ أَجَلٌ فِي النَّفَقَةِ إلَّا الْأَيَّامُ الْيَسِيرَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا فِيهِ الشَّهْرُ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَيُسْتَأْنَى لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْكِسْوَةَ شَهْرَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْحَاكِمِ فَيُؤَجِّلُ لِلَّذِي يَرْجُو لَهُ إحْرَازَ النَّفَقَةِ مَا لَا يُؤَجِّلُ لِمَنْ لَا يَرْجُوهُ أَوْ لِمَنْ يَضْعُفُ فِيهِ الرَّجَاءُ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ إضْرَارًا كَثِيرًا وَعَدَمُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ أَحَقُّ مِنْ عَدَمِ بَعْضٍ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي وَاجِدِ النَّفَقَةِ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>