للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَكَاةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتِّجَارَةُ لَهُمْ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ)

ــ

[المنتقى]

[زَكَاةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتِّجَارَةُ لَهُمْ فِيهَا]

(ش) : قَوْلُهُ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى إذْنٌ مِنْهُ فِي إدَارَتِهَا وَتَنْمِيَتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ لِلْيَتِيمِ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ لَهُ فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَهُ وَيُثْمِرَهُ لَهُ وَلَا يُثْمِرُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ لِلْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ وَإِلَّا فَلْيَدْفَعْهُ إلَى ثِقَةٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْيَتِيمِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ بِجُزْءٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَسَائِرُهُ لِلْيَتِيمِ.

(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَلَوْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَقُولُ لَا تَأْكُلُهَا الْخُمُسُ لِمَا لَمْ يَكُنْ لِلْخُمُسِ مَدْخَلٌ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الزَّكَاةُ هَاهُنَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُفْنِي جَمِيعَ الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّفَقَةُ الَّتِي تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْمَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى النَّفَقَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» وَهَذَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَنْطَلِقُ عَلَى النَّفَقَةِ شَرْعًا وَلَا لُغَةً وَلَيْسَ إذَا انْطَلَقَ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ مِمَّا يَقْتَضِي أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُؤْخَذُ قِيَاسًا وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَى دَارِهِ لَمْ يَقُلْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا وَصَفَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْجَرُ بِهِ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْتَغْرِقُ الْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَسْتَغْرِقْهُ فَإِنَّمَا تَذْهَبُ بِأَكْثَرِهِ وَلَا يَبْقَى مِنْهُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ وَهَذَا فِي حُكْمِ إتْلَافِ جَمِيعِهِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ لِرَجُلٍ مَالًا جَسِيمًا وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُ إلَّا عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ ثَلَاثِينَ دِينَارًا لَصَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَكَلْت مَالِي فَلَا مَعْنَى لِاعْتِرَاضِهِمْ، وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُمْ إلَى هَذَا التَّعْنِيفِ فِي التَّأْوِيلِ قَوْلُهُمْ إنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، دَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ تَلْزَمُ الْكَبِيرَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الصَّغِيرَ كَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْفِطْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَعْصِي بِتَرْكِ إخْرَاجِهَا وَأَمَّا الطِّفْلُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ يُتْلِفُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ إذَا وَجَبَ أَمْرُهُ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ وَيُحَاسَبُ بِهِ دُونَ الصَّغِيرِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ) .

(ش) : قَوْلُهُ إنَّهَا كَانَتْ تَلِيهِ هُوَ وَأَخًا لَهُ لَعَلَّهُ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخَا الْقَاسِمِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهَا وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.

وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ وَأَمَرَهُمْ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْحُكْمِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَى إجَازَتِهِ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُعْطِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى الَّذِينَ فِي حِجْرِهَا مَنْ يَتَّجِرُ لَهُمْ فِيهَا» ) .

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُعْطِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهَا يُرِيدُ أَنَّهَا مِمَّا كَانَتْ تَرَاهُ نَظَرًا لَهُمْ لِئَلَّا تُفْنِيَهَا الزَّكَاةُ وَالنَّفَقَةُ مِنْهَا عَلَى الْأَيْتَامِ فَكَانَتْ تُعْطِيهَا لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهَا وَهَذَا جَائِزٌ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى لِبَنِي أَخِيهِ يَتَامَى فِي حِجْرِهِ مَالًا فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدُ بِمَالٍ كَثِيرٍ) .

(ش) : يُحْتَمَلُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>