للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَامِعُ الْقَضَاءِ وَكَرَاهِيَتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنْ هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانُ عَمَلَهُ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّك جُعِلْت طَبِيبًا تُدَاوِي فَإِنْ كُنْت تُبْرِئُ فَنِعَمًا لَك، وَإِنْ كُنْت مُتَطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إلَيْهِمَا وَقَالَ ارْجِعَا إلَيَّ أَعِيدَا عَلِيَّ قِصَّتَكُمَا مُتَطَبِّبٌ وَاَللَّهِ) .

ــ

[المنتقى]

قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ، ثُمَّ زَادَ عِنْدَهُ عَلَى قِيمَةِ النِّصَابِ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ وَلَوْ سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ النِّصَابَ، ثُمَّ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ غُرْمُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَوْ قَبَضَ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُرْمُ مَا زَادَ عَلَى الدِّينَارِ لِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَأَمَّا مَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَتُغَيَّرُ الْقِيمَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَفُوتُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةَ شِرَاءً فَاسِدًا، ثُمَّ بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا لَمْ يُرَدَّ بَيْعُهُ وَصُحِّحَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ.

[جَامِعُ الْقَضَاءِ وَكَرَاهِيَتِهِ]

(ش) : قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ يُرِيدُ الْمُطَهَّرَةَ وَالْمُقَدَّسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُطَهَّرُ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَوْضِعًا مِنْ الشَّامِّ يُسَمَّى الْمُقَدَّسَ وَمَنْ سَمَّى مَسْجِدَ إيلِيَاءَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ يُرِيدُ الْمُطَهَّرَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُطَهَّرٌ مِمَّا كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْكُفْرِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَزِمَهُ الِاسْمُ وَالْوَصْفُ بِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَقْدِيسِهَا تَطْهِيرُهَا أَنَّ فِيهَا يَطْهُرُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا فَيَكُونُ مَعْنَى الْمُقَدَّسِ الْمُقَدَّسِ أَهْلُهَا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُ سَلْمَانَ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَلَا تُطَهِّرُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَإِنَّمَا يُقَدِّسُهُ عَمَلُهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنَّمَا وَصَفَ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ عَمِلُوا فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءَ وَسَائِرُهُمْ أَتْبَاعًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ أُمِرُوا بِمُلَازَمَتِهِ كَمَا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ سُكْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تُقَدِّسُ أَهْلَهَا وَتُطَهِّرُهُمْ مِنْ الذُّنُوبِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَبَلَغَنِي أَنَّك جُعِلْتَ طَبِيبًا يُرِيدُ أَنَّهُ يُسْتَفْتَى فِي الدِّينِ فَيُفْتِي وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ كَمَا يُعْمَلُ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ فِي أَمْرِ الْأَدْوَاءِ فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعَمًا لَك يُرِيدُ بِالْإِبْرَاءِ هَاهُنَا إصَابَةَ الْحَقِّ وَدَفْعِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ وَمَا يُضَادُّ بِهِ الشَّرْعُ هُوَ الدَّاءُ الَّذِي يَسْأَلُ عَنْهُ الْمُسْتَفْتِي لِإِزَالَتِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي يُبْرِئُ قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُزِيلُ الْبَاطِلَ وَيُثْبِتُ الْحَقَّ فَنِعَمًا أَيْ أَنَّهُ نِعْمَ الْعَمَلُ عَمَلُهُ ذَلِكَ وَنِعْمَ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ الْجَزِيلِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كُنْت مُتَطَبِّبًا يُرِيدُ مُتَخَرِّصًا فِيمَا تُفْتِيهِمْ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِوَجْهِ صَوَابِهِ تَخَافُ الْخَطَأَ وَمُخَالَفَةَ الْحَقِّ فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَيَزِيدُ الْبَاطِلُ بِكَ وَيَزِيدُ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الطَّبِيبِ لِمَنْ رَامَ بُرْأَهُ فَعَانَاهُ بِمَا يَضُرُّهُ حَتَّى قَتَلَهُ وَفَاتَ تَلَافِي أَمْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يُفْتِيَ عَلَى إنْسَانٍ بِقَتْلٍ وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ بِذَلِكَ وَهَذَا فِيمَنْ يَتَسَوَّرُ فِي الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيُخْطِئُ فِيمَا يُفْتِي بِهِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَخْطَأَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ بِذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ» الْحَدِيثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>