للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَدَقَةُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَحَضَرَتْ أُمَّهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهَا: أَوْصِي فَقَالَتْ: فِيمَ أُوصِي؟ إنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا لِحَائِطٍ سَمَّاهُ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[المنتقى]

عَلْفًا لَا يُسَمِّنُهَا وَلَا يُهَزِّلُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا أَخَذَهُ وَإِلَّا بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا لَا يَبِيعُهَا وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَهَذَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا قَرُبَ عَهْدُهُ مِنْهَا وَرَجَا قُرْبَ أَوْبَةِ صَاحِبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْفِتْنَةِ حَيْثُ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا أَهْلَ الْفِتْنَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يُكَلِّفُ مَنْ طَلَبَهَا الْبَيِّنَةَ لَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ اسْتِحْلَالِ بَعْضِهِ مَالَ بَعْضٍ، وَلَعَلَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي كَلَّفَ هِيَ أَنْ يَصِفَهَا بِصِفَتِهَا، أَوْ كَلَّفَهُ الْبَيِّنَةَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ وَقْتِهِ دُونَ تَثَبُّتٍ وَلَا اسْتِينَاءٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ اعْتَرَفَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ

لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ

وَكَانَ هَذَا أَيْضًا مِنْ مَصَالِحِهِمْ لَا سِيَّمَا لَمَّا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلَى أَخْذِهَا وَعَلْفِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِهِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْآبِقِ يَتَوَقَّفُ بِهِ سَنَةً يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهُ بَعْدَ السَّنَةِ بَاعَهُ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مَا بَقِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى بِوَرِقِ الشَّجَرِ كَمَا تَفْعَلُهُ الْإِبِلُ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ تَلِفَ ثَمَنُهُ فَلَزِمَ التَّوَقُّفُ بِهِ حَوْلًا ثُمَّ يَبِيعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّابَّةِ الضَّالَّةِ وَلَا يَأْخُذَهَا وَلَا يَعْرِضَ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا سَبَبٌ إلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا وَرُبَّمَا جَاوَزَتْ النَّفَقَةُ ثَمَنَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ يَسْتَخْفِي عَنْ سَيِّدِهِ وَيَقْصِدُ التَّغَيُّبَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهَا لَا تَقْصِدُ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْآبِقِ: يُبَاعُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ ضَالَّةِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْبَقُ ثَانِيَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[صَدَقَةُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ]

(ش) : قَوْلُ سَعْدٍ " هَلْ يَنْفَعُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ " يَقْتَضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْفَعَةَ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهَا وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ مِنْهَا فَقَدْ قَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهَا.

وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْحَيِّ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ مَشْرُوعَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَلَعَلَّ اتِّفَاقَهُمْ كَانَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاعُ الْمَيِّتِ بِهَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ عَنْهُ يَهَبُ لَهُ أَجْرَ تِلْكَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ الصَّدَقَةُ عَنْ الْمُتَصَدِّقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوْقَعَ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ كَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَجْرُ مَنْ يَغْتَابُهُ وَأَجْرُ مَنْ يَأْخُذُ مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ بَعْضٌ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا» .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>