للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ نَهَارًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِيهِ إلَيَّ) .

مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

ــ

[المنتقى]

فِي تَرْتِيبِ ذَلِكَ أَوْ حَمْلِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً» انْفَرَدَ عَطَاءُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنْ سَعِيدٍ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ كَذَبَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَالَ إنَّمَا قُلْت لَهُ «فَقَالَ تَصَدَّقْ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْلِسْ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ شَيْئًا يَأْتِيه قَدْ عَرَفَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَا لَهُ فَضْلَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْت» عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْسِيرِ وَأَمْرُهُ لَهُ بِقَضَاءِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَا رَوَاهُ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِهَذَا السَّائِلِ «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي رَمَضَانَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدٍ فِي الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إلَى عِشْرِينَ صَاعًا فَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِخَمْسَةِ عَشَرَ صَاعًا.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا وَهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْحَزْرِ وَالتَّقْدِيرِ وَاخْتِلَافِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمَسَاكِينِ سِتُّونَ مِسْكِينًا وَالْكَفَّارَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُدٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ مُدَّيْنِ وَلَيْسَ فِيهَا مُدٌّ وَثُلُثٌ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى صِحَّةِ الْمُدِّ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْرَ الْعَرَقِ إلَّا أَنَّ الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ الْمِكْتَلُ يَسْعَ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إلَى الْعِشْرِينَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ حَاشَا رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا زَمَنٌ لَيْسَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فَلَمْ يَجِبْ بِالْفِطْرِ فِيهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ صَامَهُ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً.

[مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَنْ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَهَذَا نَصٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ جِرَاحَةٌ فَلَمْ يَجِبْ بِهَا الْفِطْرُ لِلصَّائِمِ كَالْفِصَادِ.

وَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ تَرْكَ الْحَجَّامَةِ لِلصَّائِمِ أَحْوَطُ لِمَا رَأَى فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِ وَهَذَا مَيْلٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدَ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُفْطِرَ بِالضَّعْفِ مِنْ الْحَجَّامَةِ إلَى الْفِطْرِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ لِكُلِّ مَنْ خَافَ الضَّعْفَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحْتَجِمَ حَتَّى يُفْطِرَ؛ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ رُبَّمَا أَدَّتْهُ إلَى إفْسَادِ صَوْمِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>