للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الرَّهْنِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى يَوْمَ يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ، وَلِذَلِكَ يَرْتَهِنُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ يَوْمَ الرَّهْنِ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ وَتَلِفَ الرَّهْنُ قَبْلَ وَقْتِ بَيْعِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْهَدْ الدَّيْنُ بِقِيمَتِهِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي سَمَاعِهِ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ رَهَنَ رَهْنًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَضَاهَا ثُمَّ أَخْرَجَ إلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك ثَوْبًا وَشَيْئًا وَوَصَفَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ إذَا تَفَاوَتَ الْأَمْرُ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَا يُشْبِهُ، وَيَدَّعِي صَاحِبُهُ مَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي مَا يُشْبِهُ إلَّا أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ شَهَادَةِ الدَّيْنِ لِلرَّهْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الْيَمِينِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ أَنَّ قِيمَةَ رَهْنِهِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَيَحُطُّ عَنْهُ لِلدَّيْنِ عَشَرَةً، وَيَأْخُذُ عَشَرَةً بَقِيَّةَ قِيمَةِ رَهْنِهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مِثْلَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ مَا فَضَلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ يُرِيدُ أَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ مَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الرَّهْنِ مِنْ الْقِيمَةِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ فَيُعْطِي الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ مَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهْنِ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى صِفَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ إذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ صِفَةِ مَا يُرْهَنُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ عَلَى مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي الرُّهُونِ، وَإِنَّمَا رَاعَى فِي ذَلِكَ الْأَمْرَ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِصِفَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْقِيقِ الصِّفَةِ عَلَى وَجْهٍ يَحْلِفُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ صِفَتَهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا فَإِذَا أَتَى الرَّاهِنُ بِصِفَةٍ تَبْعُدُ عَنْ مِقْدَارِهَا عِنْدَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى أَنْ يَصِفَهَا بِصِفَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الرَّهْنِ، وَهِيَ دُونَ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا بِهَا الرَّاهِنُ بِكَثِيرٍ فَيُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَسْتَنْكِرُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ سَمِعَ وَصْفَ الرَّاهِنِ ثُمَّ نَكَلَ هُوَ عَنْ الْيَمِينِ وَرُدَّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لَكَانَ لِلرَّاهِنِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يُسْتَنْكَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ حِينَ رُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ هُوَ الْحَائِزَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ بِاتِّفَاقِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي ضَيَاعِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَأَمَّا سَائِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي شَهَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.

وَفِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ وَكَوْنِهَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ إتْمَامِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِيَازَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحِيَازَةٍ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَكُونُ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ حِيَازَةً وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَنْ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ يَقُومُ بِالرَّهْنِ، وَيَلِي الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْلَالَ لَهُ وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي حُكْمِ الْعَدْلِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى يَدِهِ الرَّهْنُ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ] ١

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ وَكَوْنِهَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ إتْمَامِهِ) لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ السَّفَرُ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا فِي السَّفَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ وَثِيقَةٍ صَحَّتْ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي الْحَضَرِ كَالْكَفَالَةِ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَّا بِالْحِيَازَةِ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>