للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْت وَاحِدَةً وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا إنَّمَا خَيَّرْتُك فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى) .

مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُك فَقَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا» )

ــ

[المنتقى]

وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ مِنْهَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا إذَا قُبِلَ مِنْهَا الِاسْتِهْزَاءُ أَوْ اللَّعِبُ فَبِأَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا مَا قَالَتْهُ مِنْ الرِّضَى بِزَوْجِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَارِي الثَّلَاثَ فَقَضَتْ بِثَلَاثٍ نَفَذَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْوِ هِيَ شَيْئًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت وَاحِدَةً وَطَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ فَسَّرَتْ اللَّفْظَ الْمُحْتَمَلَ بِوَاحِدَةٍ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ هِيَ عَلَى مَا نَوَتْ، وَإِنْ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَهُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّمْلِيكِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْك إلَّا فِي وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا بِلَفْظٍ هُوَ صَرِيحٌ فِي الثَّلَاثِ فَاخْتَارَتْ بِلَفْظٍ هُوَ صَرِيحٌ فِي اخْتِيَارِ الثَّلَاثِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ زَادَ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَتْ هِيَ: أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْت وَاحِدَةً وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا إنَّمَا خَيَّرْتُك فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى) .

(ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَبِلْت وَاحِدَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَخْيِيرَهُ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوْ قَطْعِ الْعِصْمَةِ، فَإِذَا اخْتَارَتْ وَاحِدَةً فَقَدْ أَعْرَضَتْ عَمَّا جُعِلَ لَهَا فَاخْتَارَتْ غَيْرَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا اخْتَارَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَل ذَلِكَ إلَيْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: إنَّهَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْده يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِهَا لَهُ قَبِلَتْ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْهَا فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا وَلَزِمَهَا الْمُقَامُ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إنْ لَمْ تَسْتَأْنِفْ اخْتِيَارَ الثَّلَاثِ بَعْدَ أَنْ نَاكَرَهَا الزَّوْجُ، فَإِنَّهَا لَا تَنْتَفِعُ بِمَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ اخْتِيَارَ الثَّلَاثِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ مَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ الْوُجُوهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ هَذِهِ يَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي التَّغْلِيسِ إلَّا أَنْ لَا يُمَيِّزَهَا، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهَا مِنْ النِّسَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْتُورَةَ الْوَجْهِ لَكِنْ ذِكْرُ الْغَلَسِ مَعَ قَوْلِهِ مَنْ هَذِهِ أَظْهَرُ فِيمَا قُلْنَاهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمَّا قَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ مَا شَأْنُك إنْكَارٌ لِمَجِيئِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إذْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ زِيَارَةٍ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا وَقْتَ طَلَبِ حَاجَةٍ، وَإِنَّمَا تُبَكِّرُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِمَعْنًى مُهِمٍّ فَأَخْبَرَتْهُ بِشَأْنِهَا فَقَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا إمَّا لِتُعْلِمَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ الَّذِي تَشْكُو هُوَ زَوْجُهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي لِيَعْلَمَ مَنْ نَقَلَ إلَيْهِ الْحَدِيثَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ الَّذِي أَرَادَتْ مُبَايِنَتَهُ وَقَطْعَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ هُوَ زَوْجُهَا، وَإِنَّ مَا نَزَعَتْ مِنْ فِرَاقِهِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>