للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

السَّمَاءِ مِنْ عَفَنٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَسَادٍ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ بِكَسْرِ الشَّجَرِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَيَبِسَ بِجَائِحَةٍ.

فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ أَنَّ السَّارِقَ لَوْ عُلِمَ بِهِ لَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَائِحَةً؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ حِينَئِذٍ مُفَرِّطٌ فِي حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَمُضَيَّعٌ لَهَا فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ كَانَ ذَلِكَ جَائِحَةً تُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مَا تَلِفَ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي يَدِ الْمُبْتَاعِ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ عَلَى نِهَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِي جِهَةِ الْأَصْلِ لِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ السَّقْيَ إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا وَكَمَالِ صَلَاحِهَا وَلَوْ كَانَ يَضْمَنُهَا بِالسَّارِقِ وَالْعَطَشِ لَكَانَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَائِحَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ جَائِحَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ وَجَائِحَةٌ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الْمَاءِ فَأَمَّا الْجَائِحَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْعَطَشِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ يُوضَعُ قَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ كَانَتْ شُرْبَ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ شَرْطِ تَمَامِهَا السَّقْيُ فَوَجَبَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا كَمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْجَوَائِحِ أَنَّ سَائِرَ الْجَوَائِحِ لَا تَنْفَكُّ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا وَهَذِهِ تَنْفَكُّ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا فَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ يَسِيرِ الْعَفَنِ وَالْأَكْلِ، وَأَمَّا الْجَائِحَةُ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعَفَنِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْعَفَنِ يَصِحُّ كَثِيرُهُ دُونَ قَلِيلِهِ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَا تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ]

ُ أَمَّا مَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جِنْسُ الثَّمَرَةِ وَالثَّانِي مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهَا، فَأَمَّا جِنْسُ الثَّمَرَةِ فَهُوَ كُلُّ بَيْعٍ يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ، وَحَاجَتُهُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِانْتِهَاءِ صَلَاحِهَا وَطِيبِهَا كَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إذَا اُشْتُرِيَ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَكَثَمَرَةِ التُّفَّاحِ وَالتَّمْرِ وَالْبِطِّيخِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْفُولِ وَالْجُلْبَانِ، وَالثَّانِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ رُطُوبَتِهِ وَنَضَارَتِهِ كَثَمَرَةِ الْعِنَبِ اُشْتُرِيَتْ بَعْدَ انْتِهَاءِ طِيبِهَا وَكَالْبُقُولِ وَالْقَصِيلِ وَالْأُصُولِ الْمَغِيبَةِ مِنْ الْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ.

فَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا لَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ وَلَا لِبَقَاءِ نَضَارَتِهِ كَالتَّمْرِ الْيَابِسِ وَالزَّرْعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ قَدْ كَمُلَ بِتَخَلِّي الْبَائِعِ عَنْهُ إلَى الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي أَصْلِهِ مَنْفَعَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ يَسْتَنْظِرُ اسْتِيفَاءَهَا فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصُّبْرَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْأَصْلِ.

١ -

، وَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِحِفْظِ نَضَارَتِهِ كَالْعِنَبِ يُشْتَرَى بَعْدَ تَمَامِ صَلَاحِهِ وَكَالْقَصِيلِ وَالْبُقُولِ وَالْقَصَبِ وَالْقَرَطِ وَالْأُصُولِ الْمَغِيبَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسَائِلَ يَجِبُ رَدُّهَا إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ مَنْ اشْتَرَى التَّمْرَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ طَابَتْ طِيبًا بَيِّنًا فَأَصَابَتْهَا الْجَائِحَةُ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا فِي الْخَرَابِزِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَصَبِ السُّكْرِ فَقَالَ لَا تُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتِمَّ وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا تَنَاهَى الْعِنَبُ وَآنَ قِطَافُهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَهُ تَارِكٌ إلَّا لِسُوقٍ يَرْجُوهُ أَوْ لِشُغْلٍ يُعَوِّضُ لَهُ لَمْ تُوضَعْ فِيهِ جَائِحَةٌ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَصَبِ السُّكْرِ وَالْخِرْبِزِ وَسَائِرِ الْبُقُولِ وَالْقَصِيلِ الْجَائِحَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى فَاكِهَةً أَوْ رُطَبًا فَطَابَتْ وَأَخَّرَهَا رَجَاءَ النَّفَاقِ فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ وَلَوْ عَجَّلَ بِهَا لَمْ تُصِبْهَا جَائِحَةٌ قَالَ يُوضَعُ عَنْهُ الثُّلُثُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ الثَّمَرَةُ.

فَعَلَى رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُرَاعَى حِفْظُ نَضَارَتِهِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى تَكَامُلُ صَلَاحِهِ وَيَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>