للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ لَا أَجِدُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ كُلْهُ» ) .

ــ

[المنتقى]

وَالْمُسَافِرُ يَقْدَمُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَتَى زَالَتْ عِلَّةُ الْفِطْرِ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الْفِطْرَ لِعِلَّةِ سَفَرٍ أَبَاحَ لَهُ الْفِطْرَ فَكَانَتْ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْفِطْرِ كَمَا لَوْ اسْتَدَامَ السَّفَرَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ بِتَرْكِهَا الْإِسْلَامَ وَالصَّوْمَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا مَا تَقَدَّمَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ بَعْدَ الْفَجْرِ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُفَّ عَمَّا يَفْعَلُهُ الْمُفْطِرُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْطِرُ مِنْ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: ٤٤] {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: ٤٥] {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: ٤٦] ، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَفْطَرَ لِعَطَشٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَتَمَادَى عَلَى فِطْرِهِ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُفْطِرُ بَعْدَ أَنْ يَزُولَ عَطَشُهُ بِالشُّرْبِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَدِيمَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ كَالْمَرِيضِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِضَرُورَةِ الْعَطَشِ فَإِنْ زَالَ الْعَطَشُ رَجَعَ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُضْطَرِّ إذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ.

[كَفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ]

(ش) : اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي لَفْظٍ فَقَالَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ» وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الرُّوَاةِ فَقَالُوا «إنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ» وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ بِلَفْظٍ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَقِيلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ عَلَى «أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامٌ» .

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهُ «إنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ» الْفِطْرُ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِدَاخِلٍ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ أَوْ إيلَاجٍ وَهُوَ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ وَهَوَائِهِ أَوْ بِخَارِجٍ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فَهَذِهِ مَعَانٍ يَقَعُ بِجَمِيعِهَا الْفِطْرُ وَافَسَادُ الصَّوْمِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَسَدَ الصَّوْمُ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَأَمَّا الْمَعْذُورُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ فِطْرُهُ مِنْ الْعَمْدِ وَالْهَتْكِ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ إيلَاجٍ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِإِيلَاجٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا قَصْدٌ إلَى الْفِطْرِ وَهَتْكُ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامِعِ.

(فَصْلٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْفِطْرُ بِالدَّاخِلِ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْفَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>