للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ) .

مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا أَوْ إنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ»

ــ

[المنتقى]

[مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التَّحَفُّظِ فِي الْكَلَامِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ حَيْثُ بَلَغَتْ» يُرِيدُ لَا يَسْتَطِيعُهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ لِيَرُدَّهُ بِهَا عَنْ ظُلْمِهِ فِي إرَاقَةِ دَمٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ لِيَصْرِفَهُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يُعِينَ ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ بُلُوغَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَرَوَى عَبْدُ الْمُتَعَالِي بْنُ صَالِحٍ قَالَ: قِيلَ لِمَالِكٍ يُدْخَلُ عَلَى السُّلْطَانِ وَهُمْ يَظْلِمُونَ وَيَجُورُونَ قَالَ: يَرْحَمُك اللَّهُ فَأَيْنَ التَّكَلُّمُ بِالْحَقِّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي عَوْنِهِ عَلَى الْجَوْرِ وَالْإِثْمِ وَتَزْيِينِهِ لَهُ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ يَتَكَلَّمُ بِهَا الرَّجُلُ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ يُرْضِيهِ بِهَا فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فِيمَا يُرَى الرَّفَثُ وَالْخَنَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَنْ جَحَدَ وَلَا كَفَرَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ» يُرِيدُ لَا يَعْبَأُ بِهَا وَيَسْتَخِفُّهَا فَلَا يُعَاجِلُ النَّدَمَ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ لَقَدْ مَنَعَنِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ.

[مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى]

(ش) : قَوْلُهُ قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ هُمَا عَمْرُو بْنُ الْأَصَمِّ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا ذَمٌّ لِلْبَيَانِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِإِدْخَالِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَمِّهِ بِأَنْ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ السِّحْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ السِّحْرِ وَالسِّحْرُ مَذْمُومٌ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى إنَّ الطَّلِقَ اللِّسَانُ لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ يُكَلِّمُهُ حَتَّى يَأْخُذَ بِسَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَبَصَرِهِ كَمَا يَأْخُذُ السَّاحِرُ أَلَا تَرَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ شَرًّا مِنْ طَلَاقَةِ اللِّسَانِ» وَقَالَ قَوْمٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ لِلْبَيَانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَدَّدَ الْبَيَانَ فِي النِّعَمِ الَّتِي تَفَضَّلَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فَقَالَ تَعَالَى {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [الرحمن: ٣] {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ٤] وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبْلَغِ النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ بَيَانًا وَبِذَلِكَ وَصَفَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ فَقَالَ {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [النحل: ٣٩] وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِذَلِكَ وَلَا تَذُمُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ وَجْهٌ إنْ كَانَ الْبَيَانُ بِمَعْنَى الْإِلْبَاسِ وَالتَّمْوِيهِ عَنْ حَقٍّ إلَى بَاطِلٍ فَلَيْسَ يَكُونُ الْبَيَانُ حِينَئِذٍ فِي الْمَعَانِي وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّمْوِيهِ وَالتَّلْبِيسِ فَيُسَمَّى بَيَانًا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَتَى فِي ذَلِكَ بِأَبْلَغَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِهِ فَيَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا قَدْ سَحَرَهُ وَفَتَنَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا وَأَمَّا الْبَيَانُ فِي الْمَعَانِي وَإِظْهَارِ الْحَقَائِقِ فَمَمْدُوحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ وُصِفَ بِالسِّحْرِ فَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ وَتَلَبُّسِهِ بِهَا وَمَيْلِهَا إلَيْهِ وَلَا يُشَكُّ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبْيَنُ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السَّحَرَةُ وَأَوْضَحُ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>