(مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ) (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ أَبَاهُ بَشِيرًا أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَارْتَجِعْهُ» ) .
ــ
[المنتقى]
فَثَبَتَتْ لَهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ فِي الشَّرِكَةِ فَلَمَّا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْآخَرِ قِيمَةَ مَالِهِ وَيُخْرِجَهُ تَشَارُكًا عِنْدَ الْإِبَانَةِ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَقِيمَةِ الثَّوْبِ وَلَمَّا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَيْسَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ صَبْغِهِ وَيُخْرِجَهُ عَنْهُ لَمْ تَثْبُتْ لِلصَّبْغِ قِيمَةُ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ قِيمَتُهُ مَعَ الثَّوْبِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عِوَضَهُ وَيُخْرِجَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ بِالْعَيْبِ نَاقِصًا عَمَّا اشْتَرَاهُ فَلَوْ شَارَكَهُ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَكَانَ أَكْثَرُ مِمَّا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ لَكَانَ قَدْ رَدَّ إلَيْهِ ثَوْبَهُ نَاقِصًا بِالنَّقْصِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ بِالصَّبْغِ وَلَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ ذَلِكَ النَّقْصَ فَلِذَلِكَ جَبَرَهُ بِالصَّبْغِ وَشَارَكَ بِمَا زَادَ الصَّبْغَ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
[مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ]
(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَاهُ بَشِيرًا أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا، النَّحْلُ: الْعَطِيَّةُ وَمَعْنَى نَحَلْتُ أَعْطَيْتُ وَيُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْتَفْتِيَهُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِ لِيُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتُ سَائِرَ وَلَدِك مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ اسْتِفْهَامٌ عَنْ صِفَةِ هَذَا النَّحْلِ إذْ كَانَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُهُ الشَّرْعُ وَمِنْهُ مَا يُبِيحُهُ فَاسْتَوْصَفَهُ عَنْ صِفَتِهِ لِيَعْلَمَ أَمِنَ الْمُبَاحِ هَذَا، أَوْ مِنْ الْمَمْنُوعِ لِيُبَيِّنَ لَهُ حُكْمَ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ لِيَأْمُرَهُ بِارْتِجَاعِ الْمَمْنُوعِ، أَوْ إمْضَاءِ الْمُبَاحِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ بَشِيرٌ لَا، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُنْحِلْ سَائِرَ بَنِيهِ عَلَى مِثْلِ مَا نَحَلَ هَذَا، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَحَلَ سَائِرَ بَنِيهِ أَقَلَّ مِمَّا نَحَلَ هَذَا، أَوْ لَمْ يَنْحَلْهُمْ شَيْئًا، أَوْ نَحَلَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَجِعْهُ يُرِيدُ إبْطَالَ النَّحْلِ وَارْتِجَاعَهُ مِنْ ابْنِهِ الْمَنْحُولِ إلَى مِلْكِ النَّاحِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ هِبَةً يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ اعْتِصَارُهَا فَلَمَّا كَانَتْ مَكْرُوهَةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ وَكَانَتْ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْتِ بِمَا تَفُوتُ بِهِ الْهِبَاتُ وَيَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ لَهَا أَمْرُهُ بِاسْتِدْرَاكِ ذَلِكَ بِرَدِّهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَمْنَعُهُ الشَّرِيعَةُ يُرَدُّ مَا لَمْ يَفُتْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ بَشِيرٌ عَلَى ابْنِهِ كَانَ جَمِيعَ مَالِهِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الَّذِي نَحَلَ ابْنَهُ عَبْدًا لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْته مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْتَجِعْهُ، قَالَ مَالِكٌ: إنَّ ذَلِكَ فِيمَا أَرَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقُلْت لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ أَيَرُدُّهُ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ وَقَدْ قَضَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute