للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ، أَوْ عَوَارٍ فَزَعَمَ الَّذِي بَاعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَطَعَ الثَّوْبَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، أَوْ صَبَغَهُ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ الْحَرْقُ أَوْ الْعَوَارُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيُمْسِكُ الثَّوْبَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَغْرَمَ مَا نَقَصَ التَّقْطِيعُ أَوْ الصَّبْغُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيَرُدَّهُ فَعَلَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ صَبْغًا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِلَّذِي بَاعَهُ الثَّوْبُ فَعَلَ وَيَنْظُرُ كَمْ الثَّوْبَ وَفِيهِ الْخَرْقُ، أَوْ الْعَوَارُ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَثَمَنُ مَا زَادَ فِيهِ الصَّبْغُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَعَلَى حِسَابِ هَذَا يَكُونُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ) .

ــ

[المنتقى]

فِيهِ غَبْنٌ فَوَّتَهُ أَصْلَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُحْدِثْ عِنْدَهُ عَيْبًا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ التَّدْلِيسَ وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ وَادَّعَى النِّسْيَانَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى مَا قَالَ وَيُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَقِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ، أَوْ يُمْسِكُ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ حَتَّى يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي اسْتِحْلَافِهِ؛ لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِي التَّدْلِيسِ وَغَيْرِهِ حَالَةً وَاحِدَةً عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّخْيِيرَ ثَابِتًا فِي التَّدْلِيسِ وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ اسْتَحْلَفَ الْبَائِعَ فَإِنْ حَلَفَ رَدَّ الْمُبْتَاعُ مَعَ الْمَبِيعِ قِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ.

وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْيَمِينِ فَحُكْمُ التَّدْلِيسِ يُمْنَعُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا التَّخْيِيرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِذَا حَلَفَ بَطَلَ حُكْمُ التَّدْلِيسِ وَلَزِمَ الْحُكْمُ بِالتَّخْيِيرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ التَّخْيِيرَ ثَابِتٌ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَلَا مَعْنَى لِلْيَمِينِ إلَّا إثْبَاتُ قِيمَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الرَّدِّ فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْ الرَّدَّ فَلَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْإِمْسَاكِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْقَوْلُ أُجْرِيَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إثْبَاتِ التَّخْيِيرِ مَعَ التَّدْلِيسِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أُجْرِيَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَصْبَغَ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ التَّخْيِيرِ مَعَ التَّدْلِيسِ، وَإِنَّمَا أَلْزَمَ الْمُدَّعِي النِّسْيَانَ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ تُثْبِتُ عَلَيْهِ مَا يُنْكِرُهُ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْمُبْتَاعُ صَبْغًا زَادَ فِي ثَمَنِهِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ حُكْمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ تَقْوِيمِهِ، أَوْ رَدِّهِ وَتَقْوِيمُهُ مَعِيبًا غَيْرَ مَصْبُوغٍ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ تَقْوِيمًا ثَانِيًا مَصْبُوغًا فَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي قِيمَتِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ دَاوُد بْنُ سَعِيدِ بْنِ زُبَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة وَزَادَ فِيهَا أَنَّهُ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ بِثَمَنِ ثَوْبِهِ مَعِيبًا يُرِيدُ قِيمَتَهُ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ يُعْتَبَرُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ.

(فَرْقٌ) قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ، وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ وَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ وَأَبَى الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ صَبْغِهِ وَأَبَى هُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْتَحِقَّ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الصَّبْغِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ، أَوْ يَرُدَّ فَيُشَارِكُ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ الثَّوْبُ مَجْبُورٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الثَّوْبُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ إذَا رَضِيَ بِدَفْعِ ثَمَنِ الثَّوْبِ كَاَلَّذِي يَجِدُ الْعَيْبَ إذَا رَضِيَ بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُ قِيمَةٌ فِي الشَّرِكَةِ مَا كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ الْآخَرُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>