للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ الْكَفَنِ الْوِتْرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فَكُرِهَ أَنْ يُقَصَّرَ عَنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا أَوْ يُزَادَ عَلَيْهَا إلَّا إلَى وِتْرٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَوْبَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ثَوْبٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ الْوِتْرِ الَّذِي هُوَ فَضْلٌ وَالنُّقْصَانُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلضَّرُورَةِ وَالتَّقْصِيرِ عَنْ الْكِفَايَةِ فَلَا يُقَصِّرُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ " بِيضٍ " الْبَيَاضُ أَفْضَلُ أَلْوَانِ الْكَفَنِ اسْتِنَانًا بِكَفَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ أَشْهَبُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهُرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُكَفَّنَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فِي مُعَصْفَرٍ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ زِيَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِالْمُزَعْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْوَانَ إنَّمَا هِيَ لِلْجَمَالِ وَلَيْسَ الْكَفَنُ بِمَوْضِعِ تَجَمُّلٍ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّ مَا جَازَ مِنْ اللِّبَاسِ حَالَ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِيهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ كَالْأَبْيَضِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ سُحُولِيَّةٍ ابْنُ بِكِيرٍ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى سُحُولٍ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْقُطْنِ؛ لِأَنَّ السُّحُولَ ثِيَابُ الْقُطْنِ وَالْأَمْرَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ثِيَابَ الْيَمَنِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْقُطْنِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ السُّحُولُ قُطْنٌ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ اسْتِنَانًا فِي الْقُطْنِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَتَّانُ يَجْرِي مَجْرَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَمِمَّا يُلْبَسُ غَالِبًا لِغَيْرِ مَعْنَى الْمُبَاهَاةِ، وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَإِنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَرِيرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالْجَمَالِ وَلَيْسَ الْكَفَنُ بِمَوْضِعِ مُبَاهَاةٍ وَلَا تَجَمُّلٍ.

وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا مِنْ لِبَاسِهَا الْمُبَاحِ لَهَا كَالْقُطْنِ وَكُرِهَتْ الْمُغَالَاةُ فِي الْكَفَنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُبَاهَاةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْكَفَنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي كَفَنِهِ جُمْلَةُ قَمِيصٍ وَلَا عِمَامَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ جَمِيعُ مَا كُفِّنَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَعْتَدَّ فِيهَا بِقَمِيصِ وَلَا عِمَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا كُفِّنَ بِهِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَيِّتَ يُقَمَّصُ وَيُعَمَّمُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُقَمَّصَ وَلَا يُعَمَّمَ وَنَحَا بِهِ نَحْوَ الْمَنْعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا» .

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الْكَفَنِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَمِئْزَرٌ وَثَوْبَانِ يُدْرَجُ فِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الْمِئْزَرُ إلَى الثَّوْبَيْنِ فِي الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>