للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ وَالْحَيَوَانِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ رَهَنَ حَائِطًا لَهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَكُونُ ثَمَرُ ذَلِكَ الْحَائِطِ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَجَلِ أَنَّ الثَّمَرَ لَيْسَ بِرَهْنٍ مِنْ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فِي رَهْنِهِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا ارْتَهَنَ جَارِيَةً، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ارْتِهَانِهِ إيَّاهَا أَنَّ وَلَدَهَا مَعَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَفَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَرِ، وَبَيْنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» قَالَ: وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ، وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ أَنَّ ذَلِكَ الْجَنِينَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَلَيْسَتْ النَّخْلُ مِثْلَ الْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلِ، وَلَا يَرْهَنُ النَّخْلَ، وَلَيْسَ يَرْهَنُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَلَا مِنْ الدَّوَابِّ)

ــ

[المنتقى]

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يُرَدَّ بَعْدَ الْأَجَلِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ حَتَّى تَغَيَّرَتْ أَسْوَاقُهُ أَوْ تَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ لَزِمَهُ بِقِيمَتِهِ، وَيُقَاصُّ بِثَمَنِهِ مِنْ دَيْنِهِ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ فَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا فِي السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ فَإِنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ، وَطُولَ الزَّمَانِ لَا يُفِيتُهَا وَتُرَدُّ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ، وَإِنَّمَا يُفِيتُهَا الْهَدْمُ وَالْبُنْيَانُ وَالْغَرْسُ سَوَاءٌ تَهَدَّمَتْ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ فَاتَ الرَّهْنُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْهُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ قِيلَ يَوْمَ فَاتَ وَقِيلَ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَقَبْلَ الْفَوَاتِ، وَإِلَيْهِ كَانَ يُرَدُّ لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَوْمَ الْأَجَلِ مَقْبُوضٌ لِلْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا لِلْبَيْعِ لَمَا فَاتَ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَلَا زِيَادَةَ، وَلَا نُقْصَانَ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ بَعْدَ الْأَجَلِ ضَمَانَ مَا بِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا دُونَ ضَمَانِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ لَهُ غَلَّتُهُ وَخَرَاجُ ظَهْرِهِ وَأُجْرَةُ عَمَلِهِ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ، وَلَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْهَلَاكَ وَالْمُصِيبَةَ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ إنْ كَانَ الْخَرَاجُ وَالْغَلَّةُ كَانَ الْغُرْمُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَهُوَ نَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ أَيْ غَلَّتُهُ لِرَبِّهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُهُ كَوْنُهُ رَهْنًا مِنْ صَرْفِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ إلَى مَالِكِهِ الرَّاهِنِ أَوْ غَيْرِهِ.

وَقَدْ رَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ هَذَا التَّفْسِيرِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْقَرْضِ وَعِوَضٌ مَجْهُولٌ فِي الْمُبَايَعَةِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ مَنْفَعَتُهُ، وَلَمْ يُرَدَّ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَزُلْ عَنْ الرَّاهِنِ وَغُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ وَتَلَفُهُ إذَا ثَبَتَ تَلَفُهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ رُجُوعُهُ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ غُرْمَهُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الْغُرْمَ الَّذِي رَهَنَ مِنْ أَجْلِهِ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ رُجُوعُ الرَّهْنِ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الْقَضَاءُ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ وَالْحَيَوَانِ]

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ رَهَنَ حَائِطًا إلَى أَجَلٍ فَأَثْمَرَ الْحَائِطُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّ ذَلِكَ الثَّمَرَ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْحَائِطِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ لِلثَّمَرَةِ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّمَاءَ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَعَسَلِ النَّحْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>