للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ بِمَالِي إلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَنْهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِاسْمِهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا أَوْ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا كَثِيرَةً مَوْجُودَةً لَا تَخْلُفُ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) .

ــ

[المنتقى]

يُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ أَبَدًا، وَإِنْ فَاتَ كَانَ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَلَكِنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَصَدَ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْمَكْرُوهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ كَمَا أَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يَقْصِدْ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ مِنْهَا.

(فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا قِرَاضُ الْمِثْلِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ أَنَّ قِرَاضَ الْمِثْلِ مُتَعَلِّقٌ بِنَمَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلَهُ حِصَّتُهُ فِي مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ وَأَمَانَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ قِرَاضَ الْمِثْلِ حِصَّةً ثَابِتَةً مَعَ وُجُودِ الرِّبْحِ وَعَدَمِهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْجُزْءُ الَّذِي يُعَامَلُ مِثْلُهُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ الْمَالِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِذِمَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ بِإِجَارَةِ ثَابِتَةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ خَسَارَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبِ إنَّ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

(فَرْقٌ) وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامِلَ فِي قِرَاضِ الْمِثْلِ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ إلَى أَنْ يَنِضَّ الْمَالُ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ قَبْضُ دَيْنِهِ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَبَيْعُ عُرُوضِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ إثْبَاتُ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ إنْ جَحَدَهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَهَا الْعَامِلُ.

[مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ بِسِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ بِالْحَيَوَانِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَهُ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى لَهُ مِنْ السِّلَعِ مَا لَا يُعْدَمُ التِّجَارَةُ فِيهَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا وَقْتَ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ أُقَارِضُك عَلَى أَنْ لَا تَشْتَرِيَ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ كَثِيرَةً مَوْجُودَةً وَلَا تُعْدَمُ التِّجَارَةُ فِيهَا وَلَا تُعْدَمُ هِيَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْحَيَوَانِ، وَالطَّعَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ تَعْدَمُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ تَتَعَذَّرُ التِّجَارَةُ بِهَا لِقِلَّتِهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَارَضَةُ بِهَا وَعَقْدُ الْقِرَاضِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا اشْتَرَطَ مَا يُنَافِي عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ عُرُوضًا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ النَّمَاءُ وَالرِّبْحُ، وَإِذَا قَالَ لَا تَشْتَرِ إلَّا هَذَا الثَّوْبَ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْدَمَ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ رِبْحٌ فَيَبْطُلَ مَقْصُودُ الْقِرَاضِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْقِرَاضَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ قِرَاضٍ وَقَعَ فَاسِدًا مِمَّا يَرُدُّ فِيهِ الْعَامِلَ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَتَى عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبْتَاعَ بِالْمَالِ شَيْئًا فُسِخَ، وَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ ابْتَاعَ بِالْجَمِيعِ كَانَ فَسْخُهُ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهْمًا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا تَفْرِيعَ وَإِذَا قُلْنَا يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَابْتَاعَ بِبَعْضِ الْعَيْنِ سَلَفًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فَعِنْدِي إنْ اشْتَرَى بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا خَطْبَ لَهُ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِالْكَثِيرِ وَبَقِيَ الْكَثِيرُ فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>