للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

) .

ــ

[المنتقى]

تَلَقِّي السِّلَعِ، فَإِنْ فَاتَ يَمْضِي بِالثَّمَنِ وَمَا كَانَ فَسَادُهُ فِي أَحَدِ عِوَضَيْهِ كَبَيْعِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بَعْدَ الْفَوَاتِ إلَى الْقِيمَةِ وَجْهُ مَا قَالَهُ عِيسَى مَا حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ كَيْلًا مِنْ التَّمْرِ مِنْ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ قَدْ أَزْهَى أَنَّهُ يُرَدُّ لِلْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِذَا فَاتَ أَمْضَى كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ الْمَكْرُوهَةِ إلَّا أَنَّهَا عَلَى صِفَاتِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهَا تُعَادُ فِي الْوَقْتِ لِلْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى أَكْمَلِ صِفَاتِهَا فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ تُعَدْ.

وَأَمَّا الْبَيْعُ الْحَرَامُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إنْفَاذُهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ التَّغَابُنُ فِيهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْلَكْ بِالْعَقْدِ كَالصَّلَاةِ إذَا عَرِيَتْ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهَا تُعَادُ أَبَدًا، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي عَقْدِهِ كَانَ فِيهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى وَإِذَا كَانَ فَسَادُهُ فِي عِوَضِهِ كَانَ فِيهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْقِيمَةُ كَالنِّكَاحِ.

(فَصْلٌ) :

قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَالِكٌ مِنْ مَقَالَتِهِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقِرَاضِ إلَى ذِكْرِ الْبُيُوعِ وَمَا اُخْتُلِفَ مِنْ ذِكْرِ مَكْرُوهِهَا وَحَرَامِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اعْتَزَى فِيهِ أَنَّ لِلْقِرَاضِ مَكْرُوهًا وَحَرَامًا كَالْبُيُوعِ لَهَا مَكْرُوهٌ وَحَرَامٌ فَمَكْرُوهُ الْقِرَاضِ مَا كَانَ مِنْهُ إذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ يَرُدُّ فِيهِ الْعَامِلُ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ مِثْلُ الْمُقَارِضِ بِالسِّلْعَةِ، وَالْمُقَارِضِ عَلَى الضَّمَانِ، وَالْمُقَارِضِ يَشْرِطُ أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ الْمَالَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَهَذَا وَشِبْهُهُ مَكْرُوهُ الْقِرَاضِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَكْرُوهِ الْبَيْعِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ الْبَائِعُ فِي مَكْرُوهِ الْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ إذَا كَانَ أَدْنَى مِنْ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ الْمُقَارِضُ فِي مَكْرُوهِ الْقِرَاضِ وَيُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَحَرَامُ الْقِرَاضِ مَا كَانَ مِنْهُ يُرَدُّ الْمُقَارِضُ بَعْدَ الْعَمَلِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْبُيُوعِ الْحَرَامِ يَرْجِعُ عِنْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ إلَى قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دُونَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَالَهَا مَالِكٌ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ فِي إيرَادِ مَسْأَلَةِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِإِثْرِ مَسَائِلِ الْقِرَاضِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَمْثِيلُ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ بِالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِرَاضِ الْحَرَامِ، وَالْمَكْرُوهِ مُتَنَازَعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاضَ الْفَاسِدَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ بِهِ إذَا فَاتَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الظَّاهِرُ إنَّهُ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُرَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُرَدُّ بَعْضُ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَعْضُهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

وَقَالَ بِهَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ نَافِعٍ وَمُطَرِّفُ وَأَصْبَغُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ يَشْتَرِطُهَا أَحَدُهُمَا فِي الْمَالِ دَاخِلَةٌ فِيهِ لَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ عَنْهُ وَلَا خَالِصَةٍ لِمُشْتَرِطِهَا فَذَلِكَ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْمَالِ أَوْ خَالِصَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يُرَدُّ إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ وَكُلُّ خَطَرٍ وَغَرَرٍ يَتَعَامَلَانِ عَلَيْهِ خَرَجَا فِيهِ عَنْ سَنَةِ الْقِرَاضِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ أَجِيرٌ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ طَالَ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ حُكِيَ عَنْ عِيسَى مَا تَقَدَّمَ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ شُبْهَةَ كُلِّ عَقْدٍ وَفَاسِدَهُ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى صَحِيحِهِ إذَا فَاتَ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْإِجَارَاتِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي التَّقْسِيمِ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنِ مُزَيْنٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ أَنْ لَوْ قَالَ كُلُّ قَرْضٍ أُوقِعَ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ وَوُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ إذَا وَقَعَ وَفَاتَ وَمَا كَانَ حَرَامًا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>