للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ الْبُيُوعِ مَا لَا يَجُوزُ إذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩]

ــ

[المنتقى]

بِالنِّقَارِ أَخَفُّ، وَالْفُلُوسُ كَالْعُرُوضِ، وَهَذَا مُقْتَضَى فَسَادِ الْقِرَاضِ وَيَكُونُ لَهُ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَفِيمَا نَضَّ مِنْ ثَمَنِهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ.

وَقَالَ أُصْبَغُ هِيَ كَالنِّقَارِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَحْوَهُ وَتُرَدُّ فُلُوسًا مِثْلَهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْفُلُوسَ لَا يَحْرُمُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَإِذَا وَقَعَ الْقِرَاضُ بِهَا وَجَبَ فَسْخُهُ كَالْعُرُوضِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا ثَمَنٌ يُتَعَامَلُ بِهِ فَلَا يُفْسَخُ الْقِرَاضُ إذَا وَقَعَ بِهِ كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا نِقَارُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ الْقِرَاضِ بِهَا، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ إجَازَةَ ذَلِكَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى مَنْعَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالتَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ الْقِرَاضُ بِهَا مَمْنُوعًا كَالْعُرُوضِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهَا عَيْنٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَصَحَّ الْقِرَاضُ فِيهَا كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ وَوَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ يَحْيَى رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَا يَفْسَخُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَذَلِكَ عِنْدِي يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى تَوْجِيهٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَتَفَاوَتُ وَلَا يَدْخُلُهَا مِنْ حِوَالَةِ الْأَسْوَاقِ إلَّا مَا يَقْرُبُ مِمَّا يُدْخِلُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُفْسَخْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمَصُوغُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ قَدْ غَيَّرَتْ حُكْمَهُ وَأَلْحَقَتْهُ بِالْعُرُوضِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغِشُّ عَلَى النِّصْفِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِالسِّكَّةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا فَإِذَا كَانَتْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ عَيْنًا وَصَارَتْ أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاضَ بِالْفُلُوسِ فَكَيْفَ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ اُعْتُرِضَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ انْقَطَعَ فَتَسْتَحِيلُ أَسْوَاقُهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ إذَا قُطِعَ التَّعَامُلُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِنْ الْبُيُوعِ بُيُوعًا مَكْرُوهَةً، فَإِنْ فَاتَ أَمْضَى عَقْدَهُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَمْ يُغَيَّرْ كَبَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ أَفْرَكَ وَقَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ أَنْ أَزْهَى يُؤْخَذُ كَيْلًا بَعْدَ أَنْ يُثْمِرَ قَالَ ذَلِكَ عِيسَى، وَزَادَ فِيهِ أَنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَا إذَا فَاتَ نَظَرٌ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ أُعْطِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُنْقَصْ مِمَّا أَخَذَ شَيْئًا، وَإِنْ هِيَ أَدْرَكَتْ، وَلَمْ تَفُتْ فَأَسْقَطَ الْبَائِعُ شَرْطَهُ مَضَى الْبَيْعُ وَلَزِمَهُمَا وَأَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ فَقَطْ بَلْ هُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ، وَكَذَلِكَ مَا يُرَدُّ فِيهِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ كَبَيْعِ الْأَمَةِ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ.

قَالَ عِيسَى: وَأَمَّا الَّذِي لَا يَفُوتُ فَالْبَيْعُ الْحَرَامُ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِذَا فَاتَ رُدَّ إلَى الْقِيمَةِ مَا بَلَغَتْ فَفِي قَوْلِ عِيسَى إنَّمَا يَمْضِي مِنْ الْبُيُوعِ بِالثَّمَنِ إذَا فَاتَ مَا كَانَ مَكْرُوهًا، وَلَمْ يَكُنْ حَرَامًا، وَأَمَّا الَّذِي يُرَدُّ إلَى الْقِيمَةِ حِينَ الْقَبْضِ فَهُوَ الْحَرَامُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنْ كَانَ بَيْعٌ كَانَ فَسَادُهُ لِعَقْدِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْيَانُهَا وَكَابْتِيَاعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَالْبَيْعِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>