للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ الْقِرَاضِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إلَّا فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ، وَالسِّلَعِ) .

ــ

[المنتقى]

مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُقَارَضَةَ بِهَا حَتَّى تُحْضَرَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ غَيْرِ الثِّقَةِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ إذَا كَانَ الْمُودِعُ ثِقَةً وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ الْمُودِعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِرَاضِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي مَنْعِ الْمُقَارَضَةِ بِهَا، وَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْعَدْلِ الثِّقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوَثِّقُ بِقَوْلِهِ هِيَ عِنْدِي لَمْ أَتَصَرَّفْ فِيهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ لَهُ فَصَحَّ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ نَفْسِهِ قِرَاضًا كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ الْقِرَاضُ الْوَدِيعَةِ مَضَى، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَيُصَدَّقُ الْمُودَعُ فِي ضَيَاعِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ وَدِيعَةً لِصَاحِبِهَا بِيَدِ الْمُودِعِ النَّائِبَةِ عَنْ يَدِهِ، وَلَوْ أَحْضَرَهَا لَارْتَفَعَتْ الْكَرَاهِيَةُ فِيهَا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِهَا لِبَقَاءِ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ رَأْسِ الْمَالِ بَلْ هُوَ عَلَى مَا عَقَدَا عَلَيْهِ وَقَبَضَ الْعَامِلُ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا فَمَتَى رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ جُبِرَ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَالِ بِالرِّبْحِ، فَإِنْ فَضَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْجَبْرِ فَضْلَةٌ فَذَلِكَ جَمِيعُ الرِّبْحِ، وَلَوْ اتَّفَقَا بَعْدَ النَّقْصِ عَلَى إسْقَاطِ مَا هَلَكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَاسْتِئْنَافِ الْقِرَاضِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الْمَالِ بَقِيَّةَ مَالِهِ قَبْضًا صَحِيحًا، ثُمَّ يَدْفَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهِ قِرَاضًا مُسْتَأْنَفًا، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُمَا إذَا تَحَاسَبَا فَأَقَرَّا مَا بَقِيَ بَعْدَ الْخَسَارَةِ رَأْسَ مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَقَاضِيًا صَحِيحًا وَمَا عَقَدَاهُ مِنْ الْقِرَاضِ عَقْدًا مُسْتَأْنَفًا أَحْضَرَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْبَارِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُفَاضَلَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْقِرَاضِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ وَمَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إلَى أَنْ يَزِيدَ الْعَامِلُ فِي حَظِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا يَقْتَضِيهِ عِنْدَ الْقِرَاضِ مِنْ جَبْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَسَارَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا جَائِزٍ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ تَقَعُ فِي ذَلِكَ بِالْقَوْلِ دُونَ الْقَبْضِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ اللَّازِمَةَ تُفْسَخُ بِالْقَوْلِ فَبِأَنْ تُفْسَخَ بِهِ الْجَائِزَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَلَا يَدْخُلُ أَسْوَاقَهَا تَغْيِيرٌ فَلِذَلِكَ يَصِحُّ الْقِرَاضُ بِهَا فَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ الْعَامِلُ الْعَرْضَ قَرْضًا وَقِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَيَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فَيَرْبَحُ مِائَةً فَيَرُدُّهُ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَيَصِيرُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا يَحْصُلُ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ، وَقَدْ لَا يَرْبَحُ فَيَرُدُّهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَبْقَى بِيَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَمْسُونَ فَيَأْخُذُ نِصْفَهَا، وَهُوَ لَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا الْقِرَاضُ بِالْفُلُوسِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ أَجَازَ الْقِرَاضَ بِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَصْلٍ فِي الْأَثْمَانِ، وَلِذَلِكَ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْعَيْنِ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ وَبَيْعِهَا بِالْعَيْنِ نَسَاءً فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا كَالْعُرُوضِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَصَحَّ الْقِرَاضُ بِهَا كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ الْقِرَاضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>