للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إذَا أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَّاتِهِمْ سَأَلَ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ الْأَعْطِيَاتُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُعْطِيه الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ عَلَى مَا يُعْطِيه الْأَمَامُ النَّاسَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْأَرْزَاقِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ إلَى الْعَطَاءِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَطَاءَهُ سَأَلَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ يُرِيدُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِالْحَوْلِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْعَطَاءِ وَدَفَعَهَا هُوَ إلَى أَهْلِ الزَّكَاةِ وَفِي هَذَا بَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاةَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ عَيْنِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ فَيُؤَدِّيَهَا فِي مَوَاضِعِهَا.

[بَابٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ] ١

(بَابٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ) فَأَمَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالٍ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إذَا كَانَ مَا يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَأَمَّا أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاجِبَ كَالْغَنَمِ فِي شَنَقِ الْإِبِلِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُخْرِجَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلُ إخْرَاجِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ، فَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ وَإِخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُخْرِجُ الْفِضَّةَ عَنْ الذَّهَبِ وَلَا يُخْرِجُ الذَّهَبَ مِنْ الْفِضَّةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ أَجْوَزُ مِنْ إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمَا مَالَانِ هُمَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَجَازَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ كَالذَّهَبَيْنِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْفِضَّةَ تَخْرُجُ عَنْ الذَّهَبِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى قِيمَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ.

١ -

(فَرْعٌ) إذَا جَازَ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُخْرِجُ بِمِقْدَارِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَالَهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى عِدَّةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَأُخْرِجَتْ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرَجَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ لَا يُخْرِجُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ زَادَتْ الْقِيمَةُ أَوْ نَقَصَتْ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ فِي إخْرَاجِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ظُلْمًا لِلْمَسَاكِينِ وَفِي إخْرَاجِ مَا زَادَ عَلَيْهَا ظُلْمًا لِرَبِّ الْمَالِ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْصَرِفُ لَهُ فَإِذَا رَأَى النَّقْصَ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَنْفَذَهُ، وَإِذَا رَأَى النَّقْصَ عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنْهُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ظُلْمِ الْمَسَاكِينِ أَبَدًا.

وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَسَاكِينِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ مَصْرُوفًا إلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ.

وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْبَدَلِ عِنْدَهُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الذَّهَبِ وَرِقًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْقِيمَةِ إلَّا جَيِّدًا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ الْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ دَرَاهِمَ جِيَادًا يُرِيدُ لِمَا امْتَنَعَ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا.

[بَابُ أَخْذُ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُزَكِّي]

فَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي فَأَنَّ الْأَمَامَ إذَا كَانَ عَدْلًا فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْعَيْنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَكْفِيهِ الِاجْتِهَادُ فِي أَدَائِهَا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمَسْئُولُ وَالْمَطْلُوبُ بِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ بَاطِنَةٌ مُوَكَّلَةٌ إلَى أَمَانَاتِ أَرْبَابِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْأَلُ كُلَّ إنْسَانٍ عَمَّا عِنْدَهُ وَيَكِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>