للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) .

ــ

[المنتقى]

ذَلِكَ إلَى أَمَانَتِهِ، وَهَذَا عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَّصِلُ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَمْوَالِ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ فِيهَا الْإِمَامُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا وَأَمْكَنَهُ أَخِفَّاؤُهَا وَوَضْعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا أَجُزْأَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْفَاؤُهَا وَأَدَّاهَا إلَيْهِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ سَوَاءٌ وَضَعَهَا الْإِمَامُ مَوْضِعَهَا أَوْ غَيْرَ مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاهِرَةُ الْإِمَامِ بِالْمُخَالِفَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ شَقِّ الْعَصَا وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَجَبَ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُجْزِهِ إخْرَاجُهَا دُونَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] ، وَهَذَا أَمْرٌ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ إنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْوِلَايَةُ فَوَجَبَ دَفْعُهُ إلَيْهِ أَصْلُهُ دَفْعُ مَالِ الْيَتِيمِ إلَى الْوَصِيِّ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَا أُسْلِمُ إلَيْهِ عَطَاءً وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا يَقْتَضِي تَصْدِيقَ النَّاسِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الَّتِي سَأَلَ الْإِمَامُ عَنْهَا أَرْبَابَهَا إذَا كَانَ عَدْلًا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيَقْبَلُ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَوْلَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَدْ أَخْرَجْتُهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَعْرِفُ بِالْخَيْرِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَضَرْبٌ يُعْرَفُ بِمَنْعِهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي فَلْيَأْخُذْهُ بِالزَّكَاةِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَأَدَّاهَا عَنْهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُلْجِئُهُ إلَى الْأَدَاءِ وَيَحْبِسُهُ وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ الْمَحْضِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ جَبْرًا عِنْدَ الِامْتِنَاعِ كَدُيُونِ النَّاسِ فِيهِ.

(فَرْعٌ) وَتَقُومُ فِي ذَلِكَ نِيَّةُ الْإِمَامِ مَقَامَ نِيَّةِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تُجْزِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَجَازَ أَنْ تَنُوبَ فِيهَا نِيَّةُ مَنْ يَتَوَلَّى إخْرَاجَهَا عَنْ نِيَّةِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ عُرِفَ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ سُجِنَ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَجَازَ أَنْ يُسْجَنَ فِي أَدَائِهِ كَالدُّيُونِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَيُتَّهَمُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قَالَ قَدْ أَخْرَجْتهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا كَعُمْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ عُرِفَ مِنْهُ مَنْعُ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ وَاتُّهِمَ اُسْتُحْلِفَ وَدِينَ.

(فَرْعٌ) وَإِنَّمَا شَرَطَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَرْكُهَا عِنْدَ صَاحِبِهَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لِمُطَالَبَتِهِ بِهَا.

(ش) : قَوْلُهُ لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَاشِيَةَ وَالْعَيْنَ فَأَمَّا الزَّرْعُ وَالثِّمَارُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ سَاعَةَ يَحْصُلُ مِنْهُ النِّصَابُ وَلَا يُرَاعَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا ضُرِبَ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ فِيهِمَا فَإِذَا مَرَّتْ مُدَّةٌ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ فِيهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَأَمَّا الزَّرْعُ وَالْمَعْدِنُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>