للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

مَالِكًا قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ حَمِيلًا بِسِلْعَةٍ غَائِبَةٍ اشْتَرَيْتُهَا بَعِيدَةً كَانَتْ، أَوْ قَرِيبَةً يَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَيْنَ الْمُعَيَّنِ لَا يَقْدِرُ الْحَمِيلُ عَلَى إحْضَارِهَا وَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَمَعْنَى الْحَمَالَةِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ الْمُتَحَمِّلِ بِهِ بِذِمَّةِ الْحَمِيلِ وَالْأَعْيَانُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ بِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِي الْحُدُودِ وَلَا التَّعْزِيرُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمُعَيَّنَيْنِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالذِّمَمِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِيهَا، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ صَانِعًا مُعَيَّنًا لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْعَمَلِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْعَمَلُ بِتِلْكَ الْعَيْنِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالذِّمَمِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ كَانَتْ خِدْمَةً فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً بِزَمَنٍ، أَوْ عَمَلٍ لَصَحَّتْ الْحَمَالَةُ بِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْحَمَالَةُ بِالْجُعْلِ حَرَامٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تُعْطِيَ الْمُتَحَمِّلَ جُعْلًا عَلَى حَمَالَتِهِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَالِمًا بِذَلِكَ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَرَدَّ الْجُعُلَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ وَالْجُعْلُ مَرْدُودٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْعِوَضُ كَالْقَرْضِ.

وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: كُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَ حَرَامُهَا بِعَقْدٍ بَيْنَ الْحَمِيلِ وَالْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ عِلْمِ الطَّالِبِ فَالْحَمَالَةُ لَهُ ثَابِتَةٌ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهَا عِلْمُ الطَّالِبِ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِهِ وَمُعَامَلَتِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سَبَبِهِ وَلَا عَلِمَ بِهِ فِي الْحَمَالَةِ فَالْحَمَالَةُ ثَابِتَةٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى حَرَامٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ حَرَامٌ ذَلِكَ، أَوْ جَهِلَاهُ عَلِمَهُ الْحَمِيلُ، أَوْ جَهِلَهُ، وَقَدْ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي دَافِعِ دِينَارٍ فِي دِينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ بِهِمَا حَمِيلًا الْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ حَمَالَةٍ بِأَمْرٍ فَاسِدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ اتِّبَاعٍ مِنْهُمْ لِمَالِكٍ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ دَفَعَ دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ أَنَّ الْحَمَالَةَ فِي ذَلِكَ سَاقِطَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ فَالْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ لَزِمَتْهُ فِي دِينَارٍ مِنْ الدِّينَارَيْنِ وَبَطَلَ الرِّبَا.

فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إبْطَالِ ذَلِكَ أَنَّ الْحَمَالَةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِأَحَدِ عِوَضَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ لِفَسَادِهِ بَطَلَ الْعِوَضُ مِنْهُ وَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ الْحَمَالَةُ لِمَا بَطَلَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّ الْحَمِيلَ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ حَمَالَته رَدَّ مَا صَارَ إلَى الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِالشَّرْعِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْمُتَحَمِّلُ الْعِوَضَ فِي عَقْدٍ، وَذَلِكَ يَعْدَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إبْطَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا مِنْ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْحَمَالَةَ سَاقِطَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا تَحَمَّلَ بِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَى حَسَبِ مَا تَحَمَّلَ بِهِ فَبَطَلَتْ الْحَمَالَةُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ حَمِيلًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ إلَّا الْحَسَنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَثِيقَةٌ تَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فَجَازَتْ فِي الْقَرْضِ كَالشَّهَادَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْحَمَالَةُ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ صَحَّتْ الْحَمَالَةُ بِهِ مَعَ الْيَسَارِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ كَدَيْنِ الْحَيِّ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ حَمَالَتُهُ) .

الَّذِي تَصِحُّ حَمَالَتُهُ كُلُّ مَالِكٍ لِأَمْرِهِ لَا حَجْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ، أَوْ كَانَ أَخْرَسَ إذَا فَهِمَ مُرَادَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ كَفَالَتُهُ إذَا فَهِمَ عَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ حَجْرٌ لَحِقَهُ وَلَحِقَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>