للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

) .

ــ

[المنتقى]

الْقِرَاضِ ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ التِّجَارَةَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ النَّفَقَةُ فِيهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ تُقْطَعُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ، وَالْقُرْبَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُخْلِصَ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ وَالْغَرَضُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِسَبَبٍ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ لَهُ كَالسَّفَرِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ مَعْنَاهُ التِّجَارَةُ فِي الْحَجِّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا سَفَرٌ مَقْصِدُهُ بِمَالِ الْقِرَاضِ إلَى مَوْضِعِ غَيْرِ اسْتِيطَانٍ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي كَثِيرِهِ كَمَا لَوْ أَرَادَ سَفَرًا مَعَ السَّفَرِ لِلْقِرَاضِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّفَرُ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرْبَةِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ حَاجَةً مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي بَلَدٍ فَلَمَّا تَجَهَّزَ أَعْطَاهُ رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا فَأَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ مَعَهُ فَهَلْ لَهُ نَفَقَةٌ فِي مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِيهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَالٌ حَصَلَتْ تَنْمِيَتُهُ بِسَفَرٍ عَرَا عَنْ الْقُرْبَةِ، وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْوَطَنِ فَكَانَتْ نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِيهِ كَمَا لَوْ سَافَرَ إلَى أَهْلِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ هَذَا الْمَالِ فَلَمْ تَكُنْ نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِيهِ كَمَا لَوْ سَافَرَ إلَى أَهْلِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ النَّفَقَةُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِمَالٍ لِلتِّجَارَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تُفَضُّ عَلَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ نُظِرَ إلَى قَدْرِ نَفَقَتِهِ فِي طَرِيقِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِائَةً وَكَانَ مَالُ الْقِرَاضِ تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ مِنْ نَفَقَتِهِ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا وَعَلَيْهِ عُشْرُهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ سَافَرَ بِمَالِ الْقِرَاضِ إلَى بَلَدٍ هُوَ بِهِ مُسْتَوْطِنٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الذَّهَابِ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي الْإِيَابِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ غَرَضَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى أَهْلِهِ مَنَعَهُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي رُجُوعِهِ إلَّا تَنْمِيَةَ الْمَالِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّفَرُ إلَى الْغَزْوِ فَإِنَّ غَرَضَهُ فِي الذَّهَابِ الْغَزْوُ وَغَرَضَهُ فِي الرُّجُوعِ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدِ الْكُفْرِ فَمَنَعَ ذَلِكَ النَّفَقَةَ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلَدِ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَهْلٌ حَيْثُ يُسَافِرُ أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مُقَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الذَّهَابِ وَلَا الْإِيَابِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ قَدْ تَقَدَّمَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ بِالْمَالِ قَرِيبًا مِثْلُ دِمْيَاطَ فِي مِثْلِ مَنْ يَخْرُجُ لِشِرَاءِ صُوفٍ أَوْ سَمْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْمُقَامَ لِشِرَاءِ الْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا الشَّهْرَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ سَفَرٌ، وَإِنْ قَرُبَ الْمَكَانُ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ وَيَكْتَسِي فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَلَا يَكْتَسِي وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ يَكْتَرِي مِنْهُ مَرْكُوبًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّفَقَاتِ الَّتِي تَخْتَصُّ لِقَرِيبِ الْمُدَدِ يَلْزَمُ هَذَا السَّفَرَ لِقُرْبِهِ كَالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي قَرِيبِ السَّفَرِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي كِسْوَةً لِيَوْمٍ وَلَا لِيَوْمَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا فَلِلْعَامِلِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ مُؤْنَتُهُ الْمُعْتَادَةُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَكِرَاءِ مَسْكَنٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ وَحِجَامَةٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَغَسْلِ ثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا الْإِنْسَانُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحِجَامَةِ، وَالْحَمَّامِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي حِجَامَةٍ وَحَمَّامٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ مُسَافِرٌ فِي حَضَرٍ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَصْلُهُ مَا يَأْكُلُ وَيَكْتَسِي بِهِ وَأَمَّا الدَّوَاءُ فَلَيْسَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى مُعْتَادِ الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعْتَادَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَحَالِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَفَقَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا كَثْرَةُ الْمَالِ وَقِلَّتُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا حَالُ مَنْ يُنْفَقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>