للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنْ الْقِرَاضِ وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ) .

ــ

[المنتقى]

عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَإِنَّ الَّذِي يَلْزَمُ مَالَ الْقِرَاضِ مِنْ كِسْوَةِ الْعَامِلِ كِسْوَةُ مِثْلِهِ فِي مُقَامِهِ وَسَفَرِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الَّذِي لَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ الَّتِي لَوْلَا الْخُرُوجُ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ يَبْطُلُ بِالنَّفَقَةِ لِلْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ فِي الْمَالِ.

(فَرْعٌ) وَكَمْ مَبْلَغُ الْمَالِ الْكَثِيرِ؟ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْقِرَاضِ، وَالْبِضَاعَةِ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ أَرْبَعِينَ أَنَّ نَفَقَةَ الْعَامِلِ وَالْمُبْضِعِ مَعَهُ وَكِسْوَتَهُمَا فِي بَعِيدِ السَّفَرِ وَفِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ نَفَقَتُهُ دُونَ كِسْوَتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَ الْمَالُ يَسِيرًا لَا يَحْتَمِلُ مُؤْنَةَ الْعَامِلِ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْعَامِلِ فِيهِ نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ فِي بَعِيدِ السَّفَرِ وَلَا قَرِيبِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الْيَسِيرَ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَقَةَ وَلَا يُقْصَدُ بِسَبَبِهِ السَّفَرُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَحْتَمِلُ النَّفَقَةَ فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ أَجِيرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اشْتَرَطَ زِيَادَةً لَا يَقْتَضِيهَا مُطْلَقُ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ الْقِرَاضُ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ خَالِصًا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضُ مُؤْنَتِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى حِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا سُنَّةُ هَذَا الْمَالِ فِي الْقِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا يُرِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْأَعْمَالِ لَا يَعْمَلُهَا الْمُقَارِضُ مِنْ الْقِصَارَةِ، وَالصَّبْغِ، وَالْخِيَاطَةِ، وَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَعْمَلَهَا الصُّنَّاعُ وَمِنْهَا مَا لَا يَعْمَلُهَا مِثْلُ الْمُقَارِضِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ أَكْثَرَ النَّاسِ عَمَلُهَا كَالشَّدِّ، وَالطَّيِّ، وَالنَّقْلِ فَمِثْلُ هَذَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْعُمَّالِ مَنْ لَهُ الْحَالُ، وَالْمَعْرُوفُ، وَالتَّصَاوُنُ فَيُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَتَقَاضِي الدَّيْنِ يُرِيدُ حَقَّهُ، وَالْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَأَمَّا قَبْضُهُ فَهُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبْضَ الْأَجِيرِ الْمَأْمُونِ الدَّرَاهِمَ الْيَسِيرَةَ فَيَأْتِيهِ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إذَا سَافَرَ الْعَامِلُ بِمَالِ الْقِرَاضِ وَبِمَالٍ آخَرَ وَأَنْشَأَ السَّفَرَ لَهُمَا فَإِنَّ نَفَقَتَهُ وَمُؤْنَتَهُ مُقَسَّطَةٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ كَانَ بِسَبَبِهِمَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُطْلَقِ عَقْدِ الْقِرَاضِ هَلْ يَقْتَضِي السَّفَرَ بِالْمَالِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْعَامِلِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اسْمَ الْعَقْدِ مَأْخُوذٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ السَّفَرَ فَمُحَالٌ أَنْ يُنَافِيَهُ مُطْلَقُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا وَجْهٌ مَقْصُودٌ مِنْ وُجُوهِ التَّنْمِيَةِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَأْذُونٌ لَهُ فِي الشِّرَاءِ بِعَقْدٍ جَائِزٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ السَّفَرُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَالْوَكِيلِ عَلَى الشِّرَاءِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ أَمَّا الْمَالُ الْيَسِيرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ سَفَرًا بَعِيدًا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الْيَسِيرَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْفَاقَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَقْتَضِ سَفَرًا يُنْفِقُ الْعَامِلُ فِيهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>