للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

يَلْزَمُهُ الِاسْتِحَالَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْلُ حَقٍّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ شَاءَ الْمُحَالُ أَنْ يَسْتَحِيلَ بِحَقِّهِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي ذَلِكَ بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ دَاوُد لَا تَصِحُّ حَوَالَتُهُ إلَّا بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي ذَلِكَ رِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي ذَلِكَ رِضَا الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى مَنْ لَهُ هُوَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا اسْتِنَابَةُ مَنْ يَقْضِي هَذَا الْحَقَّ كَالْوَكِيلِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ شَرَطَ الْمُسْتَحِيلُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَوْلٌ ثَابِتٌ، وَلَهُ شَرْطُهُ إنْ أَفْلَسَ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَوَالَةَ صَحِيحَةٌ وَقَدْ شَرَطَ فِيهَا سَلَامَةَ ذِمَّتِهِ، وَلَهُ شَرْطُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَحَالَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ بَيْعُ الدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُحَالِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُحِيلِ، وَيَحُولُ الْحَقُّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَيْنٌ تَحْصُلُ الْمُعَاوَضَةُ بِهِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْتِزَامَهُ لِلْحَوَالَةِ يُثْبِتُ حَقَّ الْمُحَالِ فِي ذِمَّتِهِ، وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ، وَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ فَهُوَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مُحَرَّمٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَالَ يَبِيعُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنٍ يُثْبِتُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَتَبْقَى ذِمَّةُ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ مَشْغُولَتَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْحَوَالَةِ، وَلَزِمَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ الَّذِي طَرِيقُهُ الْمَعْرُوفُ، وَلَا يَشْغَلُ ذِمَّةَ الضَّامِنِ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ وَالرِّفْقِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ، وَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَصْلُحُ إلَّا مِنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحِيلَ تَبْرَأُ ذِمَّتَهُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَلْزَمُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِ دَيْنٍ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْهُ ثَوْبَك، وَالثَّمَنُ عَلَيَّ فَهَذَا مِثْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعْطِهِ مِنْ مَالِك كَذَا، وَهُوَ لَك عَلَيَّ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الثَّمَنِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ رُجُوعٌ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَقَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ شَرْطَ الْمُلَاءَةِ مَعْنًى فِي الْحَوَالَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ رُجُوعٌ لَمَا كَانَ لِشَرْطِ الْمَلَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ تَلَفَ دَيْنِهِ بِإِفْلَاسِهِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ حَوَالَةٌ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحَالِ رُجُوعٌ عَلَى الْمُحِيلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أَحَالَهُ بِثَمَنِ سِلْعَةٍ بَاعَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحَوْلُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُحِيلُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْهُ قَالَ، وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْحَوْلُ سَاقِطٌ، وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مَا احْتَالَ بِهِ لَرَجَعَ عَلَيْهِ مِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يُنْقَضُ فِي حَقِّ الْمُحَالِ بِاسْتِحْقَاقِ سِلْعَةٍ لَمْ يُعَاوِضْ بِهَا هُوَ فِيمَا قَبَضَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>