للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

أَشْهَبَ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ ثَبَتَ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ، وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحَقُّ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَ الْمُحَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ عَقْدٌ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْمُحَالُ مَا كَانَ لِلْمُحِيلِ فَبِاسْتِحْقَاقِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ يَسْتَحِقُّ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ رَدَّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمُحَالِ دَفَعَهُ إلَى الْمُحِيلِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ بِقَبْضِ ثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بِيعَ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَيِّتٍ مَتَاعُهُ، وَقَبَضَ غُرَمَاؤُهُ مِنْ مُتَوَلِّي الْبَيْعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لِحَوَالَتِهِمْ عَلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مَا بِيعَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ.

١ -

(فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِمِائَةٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ، وَأَحَالَهُ بِهَا، وَأَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ، وَابْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إنْ قَبَضَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ، وَفَاتَ عِنْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قَبَضَهَا الْمُتَصَدِّقُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا، وَلَمْ تَفُتْ بِيَدِ الْمُعْطِي أَخَذَهَا مِنْهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطِي.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ غَيَّرَ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ مِنْ حَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمَ بِإِفْلَاسِهِ كَانَ لِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ» فَلْيَتْبَعْ فَشَرْطُ الْمُلَاءَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مَلِيءٍ، وَلِأَنَّ إفْلَاسَ الْغَرِيمِ عَيْبٌ فِيمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَإِذَا دَلَّسَ بِهِ الْمُحِيلُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ غَرَّهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ أَمْرَ الْمُحِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ لِمَالِكٍ فَعَلَى الْغَرِيمِ شَيْءٌ قَالَ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ كَانَ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ أَحْلَفَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَرْضَى بِمِثْلِ هَذَا أُحْلِفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ مِنْهُ مَا يَغُرُّهُ بِهِ.

(فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَيْنِ سَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا السِّلَعُ الْمَعِيبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْبَائِعُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَيْبَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي نَفْسِ الْعِوَضِ، وَفَلَسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي مَحَلِّ الْعِوَضِ لَا فِي نَفْسِ الْعِوَضِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ فَلَا يَرْجِعُ مِنْ الْعُيُوبِ إلَّا بِمَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ، وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهُ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِفَلَسِهِ، وَلَا غَرَّ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَعَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ الْمُحَالُ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الذِّمَمَ مِمَّا ظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ فَصَارَتْ كَالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بَاطِنُهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ دَلَّسَ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَمِينَ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْفَلَسِ فَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ، وَلَعَلَّهُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ قَبْلَ هَذَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْ مِنْ فُلَانٍ سِلْعَتَك هَذِهِ، وَعَلَى حَقِّك، وَقَالَ الْآخَرُ لِفُلَانٍ اعْمَلْ عَمَلَ كَذَا، وَحَقُّك عَلَيَّ، وَفِي الْوَاضِحَةِ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْ نَاكِحٍ صَدَاقَهُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهِ فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِسَبَبِهِ عَقْدٌ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهِيَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَمَالَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ الْحَمَالَةِ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَلَهَا حُكْمُ الْحَوَالَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَهِيَ حَمَالَةٌ فَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ فَلِسَ فِي حَيَاتِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَحَالَ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَشَرَطَ إنِّي بَرِيءٌ بِذَلِكَ، وَشَقَّ صَحِيفَتَهُ قَالَ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَهُ شَرْطُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْمُحَالَ فَإِنَّ الْمُحَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>