للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

عَلَيْهِ وَمُوَافَقَتِهِ هُوَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) وَمَتَى يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا حَكَّمَاهُ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ قَالَ أَرَى أَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ حُكْمُهُ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ قَالَ مُطَرِّفٌ: لَهُ النُّزُوعُ قَبْلَ نَظَرِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يَنْشَبَا فِي الْخُصُومَةِ عِنْدَهُ وَنَظَرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمَا فَلَا نُزُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَلْزَمُهُمَا التَّمَادِي قَالَ أَصْبَغُ: كَمَا لَيْسَ لَهُ إذَا تَوَاضَعَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا أَوْ يَعْزِلَ وَكِيلًا لَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبْدُوَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفَاتِحَهُ صَاحِبُهُ أَوْ بَعْدَ مَا نَاشَبَهُ الْخُصُومَةَ وَحُكْمُهُ لَازِمٌ لَهُمَا كَحُكْمِ السُّلْطَانِ لِمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمَا أَوْ كَرِهَ نَظَرَ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَنْظُرُ السُّلْطَانُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْضِ الْحُكْمُ فِيهِ فَإِذَا أَمْضَاهُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالتَّحْكِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَاكِمٌ خَاصٌّ وَالْوِلَايَةُ عَامَّةٌ وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِإِذْنِ مَنْ يُحْكَمُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ تَحْكِيمُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَهِيَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ بِخِلَافِ مَا يَرْضَيَانِ بِهِ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَكُونُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ إلَّا بِمَا يَرْضَاهُ.

وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِشُرُوعِهِ فِي النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ مِنْهُمَا مِنْ أَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالتَّحْكِيمِ وَرِضَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ فَلَزِمَ بِالْقَوْلِ كَالتَّحْكِيمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْخُصُومَةَ عِنْدَ الْقَاضِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ التَّنْفِيذِ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَهَذَا الْوَكِيلُ لَا يَشْرَعُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُوَكَّلِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ عَمَّا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عَمَلِهِ دُونَ الْقَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ حَكَّمَ الْمُتَخَاصِمَانِ رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَحْكُمْ الْآخَرُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ، وَلَوْ حَكَّمَ جَمَاعَةً فَاتَّفَقُوا عَلَى حُكْمٍ نَفَّذُوهُ وَقَضَوْا بِهِ جَازَ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا حُكْمُ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ لَهُ ثَوْبًا أَوْ يُطَلِّقَانِ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ الْحُكْمُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ تَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ فَانْفَرَدَ حُكْمُهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُهُ فِي الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ رَجُلَيْنِ الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ يَحْكُمَا جَمِيعًا فِي حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ يَشْهَدُ بِهَا الشُّهُودُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَنْفُذُ أَنَّهَا إلَّا بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمَا، وَلَا أَنْ يَتَّفِقَ قَاضِيَانِ عَلَى أَنْ يَنْظُرَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِنْفَاذِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْبِلَادِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ بِأُنْدَةَ مِنْ كُوَرِ الْأَنْدَلُسِ فَتَوَلَّى التَّقْدِيمَ فِيهَا لِلْقُضَاةِ رَجُلٌ مُسْرِفٌ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِ فَقَدَّمَ ثَلَاثَةً لَا يُنَفِّذُ أَحَدُهُمْ فِيهَا قَضِيَّةً إلَّا بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا يَشْهَدُونَ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَيَكْتُبُ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ شَهِدَ ثُمَّ يَشْهَدُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الثَّانِي فَيَكْتُبُ عَلَى شَهَادَتِهِ عِنْدَنَا ثُمَّ يَشْهَدُ عِنْدَ الثَّالِثِ فَيَكْتُبُ عَلَى شَهَادَتِهِ فَيَحْصُلُ بِمَا كَتَبُوهُ شَهِدَ عِنْدَنَا فَأَمَّا أَحَدُهُمْ فَنُزِعَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَرَاهُ إلَّا بَلَغَهُ إنْكَارِي لِلْأَمْرِ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَأَصَرَّا وَتَمَادَيَا عَلَى ضَلَالَتِهِمَا وَسَوَّغَ لَهُمْ حُكَّامُ الْجَزِيرَةِ، وَفُقَهَاؤُهُمْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ مُرَاعَاتِهِمْ لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى لِلْقَضَاءِ، وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُحَكِّمَانِهِمَا الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وِلَايَةٌ كَالْإِمَارَةِ وَالْإِمَامَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>