للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَالشَّافِعِيُّ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُعْمَرِ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ مَاتَ وَلَا عَقِبَ لَهُ فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْمِلْكِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمِلْكِ لِوَقْتٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ يَمْنَعُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِمَالِكِ رَقَبَتِهِ بِمَجِيءِ زَيْدٍ، أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْعُمْرَى أَلْفَاظًا نَحْنُ نُبَيِّنُهَا وَنَذْكُرُ مَا يَقْرَبُ مِنْهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعْنَى الْعُمْرَى هِبَةَ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَإِنْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْعُمْرَى، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَى، أَوْ وَهَبْتُك سُكْنَاهَا عُمْرَك وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك وَلِعَقِبِك سُكْنَى وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إذَا قَالَ: هِيَ لَك صَدَقَةُ سُكْنَى فَلَيْسَ لَهُ إلَّا سُكْنَاهَا صَدَقَةً دُونَ الرَّقَبَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: حَيَاتَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّهَا عُمْرَى، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: هِيَ حَبْسٌ.

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَبْسِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لَهُمَا بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَرَجَّحَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ.

فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا عُمْرَى مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْبِيسَ إنَّمَا يَقْتَضِي هِبَةَ الْمَنَافِعِ فَإِذَا قَالَ عَلَى فُلَانٍ اقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِصَاصَ الْهِبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ وَارِثٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الْمَنَافِعَ دُونَ مُدَّةِ عُمْرِهِ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّحْبِيسِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ رُجُوعِ الْمَنَافِعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّحْبِيسِ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَحْبُوسَةً عَلَى وُجُوهٍ نَصَّ عَلَيْهَا أَوَاخِرَ تَعْيِينِهَا وَإِذَا حَبَسَهَا عَلَى فُلَانٍ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ مَنَافِعُهَا عُمْرَهُ فَإِذَا انْقَضَى عُمْرُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى يَمْنَعُ ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ مِنْ عُمْرَى، أَوْ حَبَسَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنْ يَعُودَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ فِي ذَلِكَ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ مَا عَاشَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ تَصْرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ التَّحْبِيسِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلَّقَهُ بِهَذِهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى فِيهَا وَالْبَيْعُ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّحْبِيسَ الْمُؤَبَّدَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَخْتَصُّ.

وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَخْرَجِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَوْلِهِ حَبْسًا فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا حَبْسٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ قَالَ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ مُعَيَّنِينَ مِثْلَ قَوْلِهِ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَبَنِيهِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لَهُ بَعْدُ مِنْ وَلَدٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهَا حَبْسٌ لِتَعَلُّقِهَا بِمَجْمُوعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ فِي قَوْلِهِ هِيَ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَبَنِي تَمِيمٍ، أَوْ قُرَيْشٍ، أَوْ قَالَ حَبْسًا مُؤَبَّدًا، أَوْ حَبْسًا لَا يُبَاعُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، أَوْ حَبْسًا صَدَقَةً عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ تَرْجِعُ مَنَافِعُهُ إلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت دَارِي مَسْجِدًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ تَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَحُمِلَتْ عَلَى مُقْتَضَاهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ حَبْسًا صَدَقَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: هِيَ عُمْرَى إنْ لَمْ يَذْكُرْ عَقِبًا وَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ مَالِكٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>