للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ سِلْعَةً فَوَجَبَتْ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك جَمِيعًا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ) .

ــ

[المنتقى]

مِنْ أَجْلِ السَّلَفِ فَالسَّلَفُ مَرْدُودٌ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ لِشَرِيكِهِ، وَلَهُ رِبْحُ حِصَّتِهِ مِنْ السِّلْعَةِ وَلِشَرِيكِهِ رِبْحُ حِصَّتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ ظَهَرَ عَلَى هَذَا قَبْلَ النَّقْدِ لَأَمْسَكَ الْمُسْلِفُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِفَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْمُسْلِفُ عَمِلَ فِي حِصَّتِهِ دُونَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَكَانَ عَلَى شَرِيكِهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حِصَّتِهِ أَوْ يَسْتَأْجِرَ الْمُسْلِفُ اسْتِئْجَارًا مُسْتَأْنَفًا صَحِيحًا.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً، وَثَبَتَ لَهُ مِلْكُهَا ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ أَشْرِكْنِي فِي نِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَأَنَا أَبِيعُ لَك جَمِيعَهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَهُ النِّصْفَ الَّذِي أَشْرَكَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَبِعَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ يَتَنَاوَلُ بَيْعَهَا إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ، وَالسِّلْعَةَ مَعْلُومَةٌ، وَعَمَلَ الشَّرِيكِ فِي بَيْعِهَا مَعْلُومٌ، وَوَجْهَ تَنَاوُلِهِ فِي ذَلِكَ مَعْلُومٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اللُّزُومِ، وَمَقْصُودُهُمَا وَاحِدٌ فَلَا يَتَنَافَيَانِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَ الْجُعْلُ، وَالْبَيْعُ فِي عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْبَيْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّزُومِ فَهُمَا يَتَنَافَيَانِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِجَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ شُرُوطًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِمُدَّةِ الْبَيْعِ أَجَلًا فَيَقُولَ عَلَى أَنْ أَبِيعَ لَك النِّصْفَ الثَّانِيَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَصْلِ الْكِتَابِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ نِصْفَ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ الثَّانِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَهُوَ أَحْرَمُ لَهُ.

فَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْأَجَلِ، وَيَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ أَنَّ عَدَمَ الْأَجَلِ يُبْطِلُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْجُعْلَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِنَ الْبَيْعَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا ضَرَبَ الْأَجَلَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَصَحَّ مُقَارَنَتُهَا لِلْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَى مُعَيَّنًا لَا يَقْبِضُهُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّتَ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ بِالشَّرِكَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْعَيْنِ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ إجَارَةُ بَيْعِهِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَبَاعَ السِّلْعَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ نِصْفَ الثَّوْبِ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ شَهْرًا، وَكَانَ قِيمَةُ بَيْعِهِ إيَّاهُ شَهْرًا دِرْهَمَيْنِ فَصَارَ ثَمَنُ الثَّوْبِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فَبَاعَهُ فِي نِصْفِ الشَّهْرِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ إجَارَةِ الْمُدَّةِ، وَذَلِكَ نِصْفُ سُدُسِ ثَمَنِ نِصْفِ الثَّوْبِ، وَذَلِكَ رُبُعُ سُدُسِ قِيمَةِ الثَّوْبِ كُلِّهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ بِذَلِكَ ثَمَنًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ قَائِمًا فَيَكُونَ لَهُ شَرِيكًا بِهِ فِيهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا بَاعَ الْأَجِيرُ نِصْفَ الْمُسْتَأْجَرِ، وَبَقِيَ نِصْفُهُ الَّذِي بِيعَ مِنْهُ، وَاسْتُؤْجِرَ بِهِ بِيَدِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ مِمَّا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ مِمَّا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا كَالطَّعَامِ وَالْحِنَّاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقْبِضُ الطَّعَامَ، وَيُغَابُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَبِيعُ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَيَرُدُّ طَعَامًا قَدْ غَابَ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُهُ السَّلَفُ وَالْإِجَارَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>