للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ وَيَنْهَى فَأَمَّا الْحُكْمُ الْفَاصِلُ فَلَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ يَمْشِي، وَقَالَ أَيْضًا لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ يَمْشِي إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الضَّرْبُ الْكَثِيرُ إلَّا الْيَسِيرُ كَالْخَمْسَةِ أَسْوَاطٍ وَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ تُبَاشِرُ سَيَلَانَ الدَّمِ وَالتَّأْثِيرَ فِي الْأَجْسَامِ، وَالْمَسَاجِدُ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّأْمِينِ وَالرَّحْمَةِ فَيَجِبُ أَنْ تُنَزَّهَ عَنْ مِثْلِ هَذَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَتَّخِذُ الْقَاضِي أَوْقَاتًا يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ عَلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسَ بِالضَّيِّقِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَلَا فِي الْأَسْحَارِ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ وَيُرْفَعَ إلَيْهِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَيَنْهَى وَيَسْجُنَ فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ مِمَّا شَخَّصَ فِيهِ الْخُصُومَ فَلَا.

وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَلَا إشْخَاصُ الْخُصُومِ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا إحْضَارُ الْخُصُومِ وَتَقْيِيدُ الْمَقَالَاتِ وَإِحْضَارُ الْبَيِّنَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تَفُوتُ وَيَلْحَقُ الْمَطْلُوبَ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي يُخَافُ فَوَاتُهَا وَيَطْرَأُ مِنْهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ النَّظَرَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِذَا أَرَادَ النَّظَرَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِمَا يُدَّعَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مَا لَا يُخَافُ فَوَاتُهُ، وَقَدْ شُرِّعَتْ الْآجَالُ فِي الْقَضَاءِ بِالْحُقُوقِ وَالْإِمْهَالِ وَاسْتِقْصَاءِ الْحُجَجِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْقَضَاءَ بِاللَّيْلِ وَفِي وَقْتٍ يَشُقُّ نَقْلُ الْبَيِّنَاتِ وَالتَّفَرُّغُ لِلْإِدْلَاءِ بِالْحُجَجِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ فِي عَمَلِ الْقُضَاةِ وَلَا يَكَادُ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى الْحُكْمِ لِلطَّالِبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ فَيَقْضِيَ النَّهَارَ كُلَّهُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلْيَقْعُدْ لِلنَّاسِ فِي سَاعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُكْثِرَ فَيُخْطِئَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ إذَا دَخَلَهُ هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ ضَجَرٌ شَدِيدٌ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ جُوعٌ يُخَافُ عَلَى فَهْمِهِ مِنْهُ الْإِبْطَاءُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيُقَالُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ جَائِعٌ وَلَا أَنْ يَشْبَعَ جِدًّا فَإِنَّ الْغَضَبَ يَحْضُرُ الْجَائِعَ، وَالشَّبْعَانُ جِدًّا يَكُونُ بَطِيئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِهِ فِي فَهْمِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ فَكُلُّ حَالَةٍ مَنَعَتْهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حُجَجِ الْخُصُومِ كَمَا يَمْنَعُهُ الْغَضَبُ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ بِمَوَاقِعِ الْحُجَجِ وَأَهْدَى إلَى إيرَادِ مَا يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ وَأَشَدَّ تَبْيِينًا لِمَا يَحْتَجُّ بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ اللَّحَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْفِطْنَةُ وَاللَّحْنُ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ تَعَلَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقْضَى بِعِلْمِهِ وَهَذَا التَّعَلُّقُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِمَا سَمِعَ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ وَلَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَنْفِيهِ، فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ مَا عَلِمَهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى حُجَّةِ الْخَصْمِ وَلَا إلَى مَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ فَإِذَا اقْتَضَتْ حُجَّتُهُ أَوْ مَا شَهِدَ بِهِ بَيْنَهُمَا خِلَافَ مَا عَلِمَهُ مِنْ الْأَمْرِ امْتَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ وَشَهِدَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ بِمَا فِي عِلْمِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاكِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>