للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْحَاكِمِ مَنْ مَعْرِفَتُهُ مِثْلُ مَا عِنْدَ مَنْ يُعَدِّلُهُ فَهَذَا الَّذِي عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ الرَّجُلَ وَكَانَ يُزَكِّيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا فَهَذَا الَّذِي يَسَعُهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ فِسْقَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْرِفَ الْحَاكِمُ فِسْقَهُ وَالثَّانِي أَنْ يُجْرَحَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ مَحْظُورًا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْعَمَلِ بِالرِّبَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْعُو إلَى بِدْعَتِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقُرَّاءِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إلَّا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُمْ يَتَحَاسَدُونَ كَالضَّرَائِرِ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْقُرَّاءِ بِالْأَلْحَانِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا تَجُوزَ، وَالْبَخِيلُ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ فَمَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ بِبَخِيلٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ شَهَادَةَ الْبَخِيلِ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْضِيَّ الْحَالِ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاقِطُ الْمُرُوءَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ.

وَكَذَلِكَ تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ يَتْرُكُ وَاجِبًا كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمَشْرُوعُ لَهَا، وَأَمَّا تَرْكُ الْجُمُعَةِ فَجُرْحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَرْكِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ جُرْحَةٌ كَالصَّلَاةِ مِنْ الْفَرِيضَةِ فَتَرْكُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَيُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهَذَا ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَكُونُ جُرْحَةً حَتَّى يَتْرُكَهَا ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَةً وَمِثْلُهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَهَاوُنُهُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا قَالَ سَحْنُونٌ فَمَنْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ مُتَّصِلَ الْوَفْرِ قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَلَا شَهَادَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ يُرِيدُ إذَا تَرَكَ الْحَجَّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا تَرْكُ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ بِمَا كَانَ مِنْهُ يَتَكَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَمَا قَدْ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِنْ أَخَلَّ أَحَدٌ بِفِعْلِهِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ شَهَادَتَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النور: ٢٢] وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُمَا فَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ الْمُتَأَلِّي أَنْ لَا يَفْعَلَ الْمَعْرُوفَ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ» .

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ عَلَيْهِ يَمِينَهُ بِذَلِكَ إنْكَارًا اقْتَضَى إقْلَاعَهُ عَنْهُ وَتَوْبَتَهُ مِنْهُ فَمَنْ أَصَرَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَجَبَ رَدُّ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخْبَرَهُ بِالْفَرَائِضِ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أُنْقِصُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِنَافِلَةٍ وَلَا يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ وَلَكِنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ عِنْدَمَا أَخْبَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وُجُوبِهِ، وَإِنْ أَجَازَ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهِ النَّفْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ زِيَادَةً تُفْسِدُهُ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّيهَا خَمْسًا وَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا وَيُنْقِصَ مِنْهَا مَا لَا يُخِلُّ بِصِحَّتِهَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا مَنْ جَهِلَ الْحَاكِمُ أَمْرَهُ فَلَا يَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَنَاوَلَ شَهَادَةَ مَا يُعْدَمُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَدْلِ فِيهِ فِي الْأَغْلَبِ أَوْ مَا لَا يُعْدَمُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَأَمَّا مَا يُعْدِمُ ذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا مِثْلُ شَهَادَةِ أَهْلِ الرُّفْقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَخْتَصُّ بِمُعَامَلَاتِ السَّفَرِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ قَضَاءٍ وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>