للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ عَقْلٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمُوضِحَةُ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى إلَى الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَجَعَلَ فِيهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَقْضِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

ــ

[المنتقى]

فِي بَعْضِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْعَقْلُ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا فَأَشَلَّ يَدَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا الْقَوَدُ يَضْرِبُهُ كَمَا ضَرَبَهُ فَإِنْ شُلَّتْ يَدُهُ، وَإِلَّا فَعَقْلُهَا فِي مَالِ الضَّارِبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا كَسْرُ الْعَظْمِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الْقِصَاصُ قَالَ أَشْهَبُ، وَمَا عَلِمْت مَنْ مَنَعَ مِنْهُ إلَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَقَالُوا إذْ لَا يَسْتَوِي الْكَسْرَانِ، وَهَذَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْقَوَدُ فِي الْجِرَاحِ لِتَجَاوُزِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ الْأَغْلَبَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ تَقِلُّ وَتَنْدُرُ كَالْقَوَدِ فِي الْمُوضِحَةِ، وَكَقُطْعِ الْعُضْوِ مِنْ الْمَفْصِلِ لَا يُسْتَطَاعُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَكَسْرِ عَظْمِ الصُّلْبِ فَإِنَّ الْجَائِفَةَ يَتَّقِي مِنْهَا أَنْ تُنْتَهَى إلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهَا، وَقَدْ أَقَادَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ كَسْرِ الْعِظَامِ مِمَّا لَيْسَ بِمُتْلِفٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ.

وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي إحْدَى قَصَبَتَيْ الْيَدِ الْقِصَاصُ إنْ اُسْتُطِيعَ ذَلِكَ فَعَلَّقَ هَذَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنْ لَا قَوَدَ فِي كَسْرِ الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ فَأَمَّا غَيْرُ الْفَخِذِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنْ تَأَتَّتْ، وَلَمْ يَعْظُمْ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ لَمْ يَجِبْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا عِظَامُ الصَّدْرِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ لَوْ قَطَعَهُمَا أَوْ أَخْرَجَهُمَا فَفِيهِمَا الْقَوَدُ، وَلَا قَوَدَ فِي رَضِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ، وَإِنْ قَطَعْتهمَا فَعَلْت بِهِ غَيْرَ فَاعِلٍ.

(ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ عَقْلٌ يُرِيدُ شَيْئًا مُقَدَّرًا كَعَقْلِ الْمُوضِحَةِ، وَأَوَّلُ الْجِرَاحِ الدَّامِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَدْمَى الْجِلْدُ مِنْهَا وَقْتَهَا، ثُمَّ الْخَارِصَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ، وَهِيَ الَّتِي تَكْشِطُهُ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَبْضِعُ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ اللَّحْمَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، ثُمَّ الْمِلْطَاةُ، وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ انْكِشَافِ الْعَظْمِ سَاتِرٌ رَقِيقٌ، ثُمَّ الْمُوضِحَةُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمِلْطَاةُ هِيَ السِّمْحَاقُ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْطَعُ الْجِلْدَ، وَتُهَشِّمُ الْعَظْمَ، وَتَنْتِفُ الشَّعْرَ، وَتَدْمَى، وَلَا تَقْطَعُ مِنْ الْجِلْدِ شَيْئًا، وَالدَّامِيَةُ هِيَ الَّتِي تُدْمِي، وَلَا تَقْطَعُ شَيْئًا مِنْ الْجِلْدِ، وَلَا تُهَشِّمُ عَظْمًا، وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي تَبْضِعُ فِي الرَّأْسِ، وَلَا تَبْلُغُ الْعَظْمَ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَسْمَاءُ الْجِرَاحِ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ عَشْرٌ: أَوَّلُهَا الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي بِخَدْشٍ، ثُمَّ الْخَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرُصُ الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ، وَهِيَ السِّمْحَاقُ وَهِيَ تَسْلُخُ الْجِلْدَ كَأَنَّهَا تَكْشِطُهُ عَنْ الْعَظْمِ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ تَقْطَعُ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، ثُمَّ الْمِلْطَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ صِفَاقٌ رَقِيقٌ، ثُمَّ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ عَنْ الْعَظْمِ، ثُمَّ الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ، ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تُطِيرُ فِرَاشَ الْعَظْمِ مِنْ الدَّوَاءِ أَوْ هَشَّمَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِرْ، وَصَرَعَتْهُ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّمَاغِ صِفَاقٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ الدَّامِغَةُ، وَهِيَ مَا أَفْضَى إلَى الدِّمَاغِ فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَوَدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى فَأَمَّا الْمُوضِحَةُ، وَهِيَ الَّتِي كَشَفَتْ اللَّحْمَ عَنْ الْعَظْمِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَفِيهَا الْقَوَدُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا، ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي هَشَّمَتْ الْعَظْمَ، وَفِيهَا مَا فِي الْمُوضِحَةِ مِنْ الدِّيَةِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَسَنَذْكُرُ حُكْمَهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>